البلوغر والفاشنستا.. مفاهيم متداخلة

منصة 2024/07/25
...

 مهند حبيب السماوي *


مقتل إحدى مشهورات مواقع التواصل الاجتماعي في بغداد، كشف عن تداخل اصطلاحي وتشابك مفهومي في الأوصاف التي تم إطلاقها على هذه المرأة المعروفة على منصات "السوشيل ميديا" بقيامها بسلوكيات معينة، ليس هنا محل مناقشتها وتقييمها. فغالبية المنشورات، ومن ضمنها تعود لقنوات فضائية مهمة عربية وعراقية، قد وصفتها بالبلوغر، في حين أن هذا الوصف بعيد عنها تمامًا، ولا علاقة له بتصرفاتها وكلامها الذي كانت تتفوّه به، وهي تظهر في مقاطعها على حساباتها العديدة في مواقع التواصل المختلفة. يتداخل ويتشابك، لدى الكثير بل الغالبيّة، مصطلح فاشنستا مع مفهوم البلوغر، ويُسبب حالة من الفوضى واللبس تتمثل في منح هذا الوصف "البلوغر" لشخصيات لا علاقة لهم بالكتابة والتدوين، وربما لا تعرف القراءة والكتابة، في حين أن هذه السمة هي أهم ما يميز من نصفه بالبلوغر، كما سيتضح من شرح المصطلح في سياقه التأسيسي ومساره التاريخي.

مبدئيًا نستطيع أن نؤكد أن هذه المفاهيم وغيرها ترتبط بالعصر الرقمي وتطور أدوات ومفاهيم هذا العالم، واستحواذها على مظاهر العالم الواقعي ومعالم أركانه، فالبلوغر هو المدوّن، أي المستخدم الذي ينشئ محتوى للمدوّنة، وهي موقع الكتروني، يتضمن كتابات في مجالات مختلفة أو تصب في اهتمامات معينة، وقد يتضمن الموقع أشكالًا ومواد إعلاميّة متنوّعة مثل الصور أو مقاطع الفيديو أو البودكاست وغيرها من الأشكال والصيغ الإعلاميَّة التي تطورت عبر العصر الحديث.

وقد كان مصطلح بلوغر، من ضمن المفردات الاشتقاقية لكلمة مدوّنة، التي ظهرت في نهاية تسعينات القرن العشرين، وبالضبط في عام 1997 حيث قامت الشخصية الرائدة في مجال الانترنت، جورن بارغر، بسكّ مصطلح weblog والذي أفضى اشتقاقه الى مصطلح blog، وأدى بدوره لظهور مصطلح بلوغر في عام 1999 عندما جاء بيتر ميرهولز، الذي يُرجع له الفضل في تعميم مصطلح بلوغر، ونشره على نطاق واسع، بعد ان قام بتحويل، طريف، لمصطلح مدوّنة الويب weblog إلى مدوّنة، بتغيير المصطلح من اسم weblog إلى فعل we blog "نحن ندوّن"، وذلك في الموقع الالكتروني الذي كان ينشر به مواده الإعلاميَّة.

أما مصطلح فاشنستا، fashionista، فهو يُنسب إلى الكاتب الأمريكي ستيفن فريد، الذي استخدمه لأول مرة في كتابه Thing of Beauty  الذي صدر عام ١٩٩٣، حيث تم استخدام هذا المصطلح لوصف أشخاص منخرطين في الموضة والأناقة وتفاصيل ما يتعلق بها. وهذا المصطلح "أي fashionista " يتألف من مقطعين، الأول fashion التي تعني الموضة، واللاحقة ista التي وجدنا آراء مختلفة حولها، فبين من يقول إنّها اسبانية أو لاتينية تضيف للكلمة التي قبلها معنى أنّه مشتغل في هذا المجال، أو أنّها، برأي آخرين، تعني اختصار كلمة انستغرام، والتي تشير مع الكلمة التي قبلها، إلى الشخص الذي يهتم بالموضة والأزياء في العالم الرقمي عمومًا، ومنصة انستغرام الشهيرة خصوصًا.

وبكلا الحالتين، فإنَّ المصطلح يعني ويتعلق بالشخص المهتم بالموضة والأزياء وما يدور في عالمها، والتي تطورت لاحقًا، في العصر الرقمي، لتكون مواقع التواصل هي أبرز أماكن عرض هذه الأزياء وخصوصًا في منصّة انستغرام المختصّة بالصور.

واتساقًا مع التعريفين أعلاه، فإنّنا نجد ثلاثة فروق واضحة، على الصعيد النظري، بين الفاشنستا والبلوغر، يمكن توضيحها في ثلاثة محاور هي، نوع المحتوى الذي يتم طرحه، ومجالاته، والفضاء الافتراضي الذي يتم تسويقه من خلاله، وكما يلي:


نوعية المحتوى

البلوغر ينشر محتوى أو نصًّا مكتوبًا من خلال مدوّنته الخاصة على شبكة الإنترنت أو على مواقع التواصل، بينما الفاشنستا ينشر، أو تنشر، محتوى بصريَّا، كمقاطع الفيديو والصور وما تفرّع عنهما كالفيديوغراف والانفوغراف، في المنصة التي يركز نشاطه فيها.


اختلاف الموضوعات

يتناول البلوغر، في منصّته، مجموعة متنوعة من الموضوعات والقضايا، قد تكون سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو غيرها، بينما الفاشنستا يتخصص بالموضوعات المتعلقة بالموضة والجمال حصريًّا.


المنصّات المستخدمة

يستخدم البلوغر موقع الويب الخاص به كمنصّة رئيسية لنشر المحتوى، فضلا عن بقية منصّاته على مواقع التواصل وخصوصًا فيسبوك وإكس، التي لجأ اليها في مراحل لاحقة، في حين أن الفاشنستا يركز بصورة حصرية على مواقع التواصل، وخصوصًا إنستغرام، لعرض منشوراته.

وبرغم هذه الفوارق التي وصفتها بأنّها نظريّة، فإن المساحات بين كلا المصطلحين قد تداخلت، والفضاءات تشابكت، فالبلوغر الآن يكتب في جميع المنصات "مواقع الكترونية ومواقع تواصل" ويتحدث عن مختلف المواضيع، من خلال النص والصورة ومقاطع الفيديو متجاوزاً الخريطة السابقة التي كان تحدد تعريف البلوغر، وكذلك الحال ينطبق على الفاشنستا التي أصبحت تتحدث في كل المواضيع، حتى تلك التي لا تفهم ابجدياتها الأساسية، وهو من سخريات العصر الرقمي ومواقع التواصل التي منحت لكل إنسان القدرة على الحديث في مختلف المواضيع ووقتما ما يريد مهما كان جاهلًا بها.

* باحث دكتوراه فلسفة