باكو: يارا محمود
لا تقتصر القضيَّة الحسينيَّة على بقعةٍ محددةٍ من الأرض، أو فترة معينة، بل أصبحت قضيَّة الإنسانيَّة في كل الأزمنة والعصور. إنَّ اتخاذ الحسين (ع) قرار تحدي الطاغوت والقيام بثورة، أعاد للانسان كرامته المهدورة فأصبحت ثورته علامة مضيئة في التاريخ، ونقطة انطلاق للكثير من الثورات ضد الظلم والطغيان، ومنذ ذلك اليوم بدأت الشعائر الحسينيَّة التي لم تقتصر على العراق وكربلاء التي جرت على أرضها هذه الملحمة الخالدة فقط، بل تعدتها الى الكثير من البلدان العربيَّة والإسلاميَّة لأهميَّة ذلك اليوم في التاريخ الإسلامي.
الحداد الحسيني
جمهوريَّة أذربيجان، تشهد أجواءً دينيَّة خاصة في شهر محرم، ويصبح الجو عبقاً بذكرى استشهاد أبي عبد الله الحسين (ع)، إذ أقيمت مراسم عزاء الإمام الحسين (ع) في أذربيجان هذا العام بحماسٍ كبيرٍ كالعادة.
لقد عاش مسلمو جمهوريَّة أذربيجان مع شعب إيران في منطقة ثقافيَّة وحضاريَّة واحدة في القرون الماضية، لذلك كانت القواعد والطقوس الإسلاميَّة من القيم الرئيسيَّة لمجتمع هذا البلد. على الرغم من أنَّ مسلمي أذربيجان أصبحوا مواطنين في الإمبراطوريَّة الروسيَّة في أوائل القرن التاسع عشر وفقًا لاتفاقيات جولستان وتركمنشاي، إلا أنهم ما زالوا يلتزمون بقواعدهم وطقوسهم الإسلاميَّة، ولا تزال الاحتفالات الدينيَّة وخاصة الحداد الحسيني قائماً فيها.
انتشرت الشعائر الحسينيَّة في العديد من المدن الأذريَّة، وقد وصلت هذه الشعائر الى قمة تطورها وازدهارها في أذربيجان في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وكانت هذه الشعائر في السابق عبارة عن إقامة المواكب، وكانت تقام مجالس العزاء في بيوت الوجهاء من الناس حيث يقوم الخطيب بقراءة قصة من قصص واقعة الطف الدامية وما جرى على الإمام الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه من مآسٍ وآلام، ثم أخذت المجالس الحسينيَّة بالتطور والانتشار تدريجياً فشيدت الحسينيات لإقامة العزاء الحسيني فيها وكذلك لإقامة مسرحيات عاشوراء (التشابيه)، فضلاً عن مواكب العزاء التي تسير في شوارع المدن الرئيسيَّة.
وهناك مراسم أخرى يتمّ|ُ التعبير بموجبها عن الحزن والأسى على مأساة الحسين، وهي على شكل حوارات عاشورائيَّة ضخمة تقام في عددٍ من المدن الأذريَّة وبصورة خاصة قراءة قصة مؤلمة من قصص واقعة الطف ثم يأخذون بعد ذلك بالضرب بأيديهم على الجانب الأيسر من صدورهم وهم يرددون (حسين.. مظلوم).
وتبدأ في كنجة وهي إحدى مدن جمهوريَّة أذربيجان مراسم العزاء في الأول من محرم حيث تقام بطريقة خاصة في هذه المدينة، يبكي الرجال والنساء على شكل مجموعات عزاء في مزارٍ ديني في المدينة في يوم عاشوراء، تمتلئ منطقة المزار الديني في مدينة كنجة بالناس، والناس يؤدون نذورهم في هذا المكان، فضلاً عن المدن المختلفة في جمهوريَّة أذربيجان، فإنَّ جمهوريَّة ناختشيفان المتمتعة بالحكم الذاتي هي أيضًا واحدة من المناطق التي يقيم فيها الناس مراسم الحداد، تتمُّ قراءة الرثاء وتقديم الأضاحي، ونشر طاولة التصدق، وتوزيع التمور وغيرها من الأعمال الخيريَّة، والبكاء على معاناة أهل البيت (ع).
الاتشاح باللون الأسود
وفي كل عام من خلال تتم تغطية المساجد والحسينيات باللون الأسود ورفع الأعلام المزينة باسم سيد الشهداء وأهل البيت (ع) من أجل الحفاظ على ذكرى ثورة أبي عبد الله الحسين (ع) حيَّة، وقد تفانى محبو أهل البيت بحبهم من خلال تحويل منازلهم إلى حسينيات، يشاركون صورها على مواقع التواصل الاجتماعي لإظهار حبهم وعاطفتهم للإمام الحسين، كما أنهم يعبرون عن حزنهم ومواساتهم للإمام الحسين بالصيام والزهد، فلا يأكلون ولا يشربون في يوم عاشوراء، وكذلك في الأيام العشرة الأولى من شهر محرم من كل عام، ويعدّ الصيام عندهم من أهم وأكثر وسائل التعبير عن الحزن والأسى، وفي بعض المناطق، لا يستمعون عادة إلى الموسيقى حتى الأربعين. ولا يرتدي الناس الملابس الملونة، لا سيما الملابس الحمراء في أيام تاسوعاء وعاشوراء، وتنشر الأسر الميسورة طاولات الخير وتقيم مراسم العزاء في منازلها.
التبرع بالدم
في السنوات الأخيرة وفي شهر محرم بالتحديد، أصبح التبرع بالدم في يوم عاشوراء من قبل المعزين في باكو ومدنٍ أخرى في جمهوريَّة أذربيجان لعلاج مرضى الثلاسيميا من الأطفال والمرضى الآخرين تقليد عاشوراء.
وبحسب المكتب الإعلامي لوزارة الصحة الاذربية فإنَّ الحملات التطوعيَّة التي انطلقت في يوم عاشوراء هذا العام تتم الاستفادة منها في علاج مرضى الثلاسيميا والهيموفيليا وكذلك في علاج جميع المرضى المحتاجين الى مختلف فئات الدم، إذ أقيمت حملات التبرع بالدم في يوم عاشوراء تحت تنظيم وزارة الصحة وإدارة مسلمي القوقاز، وفي المجمل، تبرع 1378 شخصًا في باكو و935 شخصًا في مدن ومناطق أخرى بالجمهوريَّة بالدم طوعًا خلال الحملة.
وقد أصدرت الإدارة الإسلاميَّة القوقازيَّة بصفتها السلطة الرئيسيَّة المسؤولة عن تنفيذ الشعائر الدينيَّة في جمهوريَّة أذربيجان، بيانًا بمناسبة بداية شهر محرم، كما في السنوات السابقة، دعت فيه إلى المشاركة في مراسم عزاء الحسين الخاصة وطلبت من المعزين اتباع الإرشادات، مع مراعاة النظافة في هذه المراسم.
من جانبه صرح رئيس مجلس مسلمي القوقاز الشيخ الله شكر باشا زاده في مؤتمر صحفي: «لشهر محرم أهميَّة خاصة نقيم فيها مراسم عاشوراء وأيضا حملة للتبرع بالدم»، واضاف «علينا تسليط الضوء على أهميَّة يوم عاشوراء، إنَّ شعب أذربيجان يجب أنْ يتعلمَ من هذا الحدث التاريخي وعلينا أنْ نتعلمَ من مدرسة الإمام الحسين (ع)».
وفي ما يخص الاختناقات المروريَّة في يوم عاشوراء وفقًا لإلشاد حاجييف، رئيس الخدمة الصحفيَّة لقسم شرطة مدينة باكو: «تمَّ الحفاظ على النظام العام والسلامة العامة في الاعتبار في ما يتعلق بمراسم عاشوراء، في هذا الصدد ستعمل شرطة العاصمة من أجل ضمان السلامة العامة حول جميع المساجد والمزارات في باكو، سيتم نشر وحدات إضافيَّة في المناطق التي ستقام فيها الاحتفالات الدينيَّة».