حازم رعد
إن من جملة ما يفهم من موقف الإمام الحسين «ع» في واقعة كربلاء هو أنه [استخدم حق الموت للتأكيد على حق الحياة] فهو القائل «وخير لي مصرعٌ أنا لاقيه» فمع فرض الحرب أنا مقدمٌ عليها وغير مبالٍ بالنتائج، لأنَّ الحياة مع الظالمين في منطق الأحرار والثائرين لا تعدو إلا مللاً ورثاثة لا طائل لها» والحياة مع الظالمين برماً وهذه المعادلة ليست مهيأة لأنْ يخوضها كل أحد، فهي حقٌ حصريٌّ للثوار لأصحاب المشاريع التحرريَّة من قيود المستبدين والطواغيت «ومثلي لا يبايع مثله» فكل من يشبه الإمام الحسين في الصفات وفي القيم هو لن يخضع لأمثال يزيد «الفاسق الفاجر المستبد والظالم» ولذا حينما امتحن الإمام الحسين في كربلاء بين القتل وبين الحياة ولكن بذلة «عار البيعة للحاكم الجائر والسياسي الفاسد والمسؤول المستبد» فما كان منه إلا أنْ يطلقها ارجوزة أمام جحافل الذين وقفوا يناضلون الإمام الحسين في جبهة يزيد وامثولة للأجيال «هيهات منا الذلة» مثل هذا المنطق لا يفقهه إلا من تربى على قيم الحريَّة ونشأ في حاضنة طاهرة ملؤها النقاء والصدق مع الذات.
إنَّ الإقدام على الموت يحمل نزوعاً احتجاجياً على واقعٍ مريرٍ لا يسع تلك الأنفس الطيبة الطاهرة التي تفضل مرارة الفراق والإقدام على حتف الأنف على العيش مع الظالمين والطواغيت. إنَّ الموت في واحدة من تأويلاته فك النفس من القيود وإطلاق سربها في رحاب الحريَّة، إنّ الموت تخلٍ عن دنيا فانية وتحلٍ بالتحرر الذي لا يستشعره إلا الثوار وأصحاب المشاريع التي بقيت أمثولة عبر الأزمان للأجيال، فحينما يصدح الإمام الحسين (إنَّي لا أرى الموت إلا سعادة) معنى ذلك هو يسعى لتحقيقها وتحقيق هذا الهدف يتطلب المرور بالموت الذي يعده بدايه للسعادة أو هو كذلك فعلاً فما قيمة حياة الإنسان وهو مكبلٌ ومقيدٌ بأنواع القيود والاغلال؟.
فلا بُدَّ من موقعة حاسمة تكلل بالموت وسفك المهج تصبح أمثولة للثورات التي تقوم بوجه حكام الجور ويكون فيها الحسين بن علي مثالاً يقتدى أثره ويحذوها الأحرار في كل العام على مر الأجيال وهذه هي الحياة الحقيقيَّة للإنسان والتي ينالها ويطلّ عليها من خلال الموت فهو الطريق إليها، ولذلك لم يعتر الحسين أي لونٍ من التفكير في أنْ يتراجع أو ينزل عند رغبة أرباب المصالح ومحبي الحياة ومريدي الدنيا وبهرجها بل كان بكل دراية وعزيمة وقوة شكيمة مقدماً على الموت الذي وصفه جريانه على ولد آدم مثل القلادة التي خطت على جيد الفتاة، وجاءه بشغف المشتاق الى أسلافه كوله اشتياق يعقوب الى يوسف، ففي الرواية التي ينقلها صاحب كتاب «اللهوف في مقتل الحسين» خير دليلٍ على إرادة الحسين للشهادة «الموت» مفضلاً إياه على الحياة التي وصفها بأنها تافهة مع الظالمين حيث تخبرنا رواية اللهوف أنه (لما التقى الحسين وعمر بن سعد لعنة الله وقامت الحرب انُزل النصر حتى رفرف على رأس الحسين ثم خير بين النصر على أعدائه وبين لقاء الله تعالى فاختار لقاء الله
تعالى).