كريس لاو ومايومي ماروياما
ترجمة: بهاء سلمان
ارتفع عدد المنازل الشاغرة في اليابان إلى مستوى قياسي بلغ تسعة ملايين، وهو أكثر من حاجة مدينة نيويورك، مع استمرار معاناة اليابان مع الانخفاض المستمر لعدد سكانها.تعرف المنازل المهجورة في اليابان باسم «آكيا»، وهو مصطلح يشير عادة إلى المنازل السكنية المهجورة وسط الأرياف. ولكن هناك المزيد من منازل آكيا في المدن الكبرى، مثل طوكيو وكيوتو، وهي مشكلة تواجهها الحكومة المبتلاة بالفعل بمعضلة شيخوخة السكان والانخفاض المقلق لعدد الولادات السنوية.
ووفقا للأرقام التي جمعتها وزارة الشؤون الداخلية والاتصالات، فإن 14 بالمئة من جميع العقارات السكنية في اليابان شاغرة. وتشمل الأرقام المنازل الثانية وتلك التي تركت فارغة لأسباب أخرى، بضمنها العقارات التي تم إخلاؤها مؤقتا أثناء عمل أصحابها في الخارج.
وبحسب الخبراء، لم تترك جميع هذه المناطق للتدمير، مثل الآكيا التقليدية، فهناك محاولات مكبوتة لتجديد المدن المتدهورة، والتي أصبحت تمثّل مخاطر محتملة بسبب قلة الصيانة، وزيادة المخاطر التي يتعرض لها رجال الانقاذ في أوقات الكوارث في بلد معرض للزلازل وأمواج تسونامي.
غالبا ما يتم تناقل آكيا عبر الأجيال؛ ولكن مع انخفاض معدل الخصوبة في اليابان، لم يتبق للكثيرين وريث لتنتقل أملاكهم إليه، أو ترثهم الأجيال الشابة التي انتقلت إلى المدن ولا ترى مبررا كبيرا للعودة إلى المناطق الريفية، بحسب المختصين. ويشيرون إلى إن بعض المنازل تركت أيضا مع حالة من الإهمال الإداري، لأن السلطات المحلية لا تعرف من هم أصحابها بسبب سوء حفظ السجلات.
وهذا الحال يجعل من الصعب على الحكومة تجديد شباب المجتمعات الريفية السريعة الشيخوخة، مما يعيق الجهود المبذولة لجذب الشباب المهتمين بأسلوب حياة بديل أو المستثمرين الذين يتطلّعون إلى صفقة تخدمهم.
قوانين محبطة
وبموجب السياسات الضريبية في اليابان، غالبا ما يجد بعض المالكين أن الاحتفاظ بالمنزل أرخص من هدمه لإعادة تطويره. ويوضح هول بأنه حتى إذا أراد المالكون البيع، فقد يواجهون صعوبة العثور على مشتري مناسب. «العديد من المنازل معزولة عن وسائل النقل العام والرعاية الصحية، وحتى المتاجر.»
واجتذبت مقاطع الفيديو الرائجة التي تظهر أشخاصا، معظمهم من الأجانب حصلوا على منازل يابانية رخيصة ويحوّلونها إلى دور ضيافة ومقاهي أنيقة، اجتذبت العديد من المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرا، لكن البعض يحذر من أن الأمر ليس سهلا كما يبدو، إذ إن معظم هذه المنازل لن يتم بيعها للأجانب، أو أن حجم العمل الإداري والقواعد التي تحكمه ليست سهلة بالنسبة لشخص لا يتحدث ولا يقرأ اليابانية جيّدا. فلن يتمكنوا من الحصول على هذه المنازل بسعر رخيص.»
وشهد عدد سكان اليابان انخفاضا لعدة سنوات، وأظهر إحصاء سنة 2022، تقلّص عدد السكان بأكثر من 800 ألف نسمة منذ العام السابق، ليصل إلى نحو 125 مليون نسمة.
وأظهر العام 2023 انخفاض المواليد الجدد للعام الثامن على التوالي، ليصل إلى مستوى قياسي، بحسب البيانات الرسمية. وتراوح معدل المواليد في اليابان بنحو واحد بالمئة تقريبا لسنوات، بعيدا عن معدل إثنين بالمئة اللازم للحفاظ على استقرار السكان.
وقبل عدة أسابيع فقط، أشارت وزارة الشؤون الداخلية والاتصالات اليابانية إلى أن عدد الأطفال تحت سن 15 عاما انخفض للسنة 43 على التوالي إلى مستوى قياسي، ليبلغ أدنى مستوى عند حوالي 14 مليونا، مع حلول نيسان الماضي.
مشكلات مستقبلية
لذا، كل هذا يعني أن مشكلة وجود عدد كبير جدا من المنازل وعدد قليل جدا من الأشخاص ستستمر لبعض الوقت. ويقول «يوكي أكياما»، الأستاذ في كلية الهندسة المعمارية والتصميم الحضري بجامعة مدينة طوكيو: «إن المنازل الشاغرة تسببت بمشكلات منذ زمن، فبعد زلزال شبه جزيرة نوتو في مقاطعة إيشيكاوا المركزية مطلع هذا العام الذي تجاوزت قوته سبع درجات، يشير التقرير إلى أن منطقة الزلزال كانت مليئة بمنازل آكيا، وكانت تشكل خطرا على السكان أثناء الكارثة، مع تحديات لإعادة الإعمار بعد الزلزال.
لأن هناك احتمالا أن تسد المنازل الشاغرة طرق الاخلاء عندما تنهار وتدمر أثناء الزلازل».
وقال أكياما إنه بعد الزلزال، كافحت السلطات لتحديد الممتلكات المتضررة التي يمكن تنظيفها بسبب عدم وضوح الملكية، مما يمثل «عقبة أمام إعادة الإعمار». أما المناطق الريفية الأخرى التي يوجد بها عدد كبير من المنازل الشاغرة، فقد عرقلت آكيا عملية تنميتها.
ويوضح الاستاذ القدير أنه مع بقاء هذه العقارات دون مساس، «ستنخفض قيمة المنطقة لأنها مكان لا يمكن إجراء عملية بيعها وشرائها بشكل صحيح، ولا يمكن القيام بتطوير واسع النطاق لها. كما سيعتقد الناس أن هذا المكان ليس له قيمة، وستنخفض القيمة العقارية للمنطقة بأكملها تدريجيا.»
وقام اكياما بابتكار برنامج للذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالمناطق الأكثر عرضة للإصابة بآكيا، لكنه شدد على أن المشكلة لا تقتصر على اليابان، إذ تشمل الولايات المتحدة وبعض البلدان الأوروبية. ومع ذلك، يؤكد أن تاريخ وثقافة الهندسة المعمارية في اليابان جعلت الوضع هناك سيئا. كما إن منازل اليابان لا يتم تقييمها بسبب طول عمرها، فعلى عكس الغرب، لا يرى الناس عادة ميزة للعيش في المباني التاريخية؛ «فاليابان، ترى أنه كلما كان المنزل أحدث، ارتفع سعر بيعه.»
وكالة سي أن أن الاخبارية