تسليع الإنسان

آراء 2024/07/30
...

  د. أثير ناظم الجاسور

إنه العالم بتجدده وتطوره وخذلانه حتى ترتفع أمم لا بد من انهيار أخرى وحتى تغتني دول لا بد من تفقير أخرى وحتى يعم الأمن في دول لابد من إشاعة الفوضى في دول أخرى، وبين هذا وذاك يبقى سؤال بنى خيوطه وعشعش داخل عقول الكثيرين كم نساوي من دون مساواة مع الآخرين؟
يقول الفيلسوف وعالم النفس إريك فروم «هناك أشياء كثيرة أكرهُها في المجتمعِ المُعاصِر، وأولاً أودُّ أن أعبَّر عن كرهي لحقيقةِ أنّ كلّ شيء وكلّ شخصِ تقريباً للبيعِ. ليس فقط السَّلَع والخدمات، بلّ الأفكار، الفنّ، الكتب، الأشخاص، القَناعات، الشعور، الابتسامة كلّها تحوَّلت إلى سِلَع، وكذلك الإنسانُ كلُّه، بكلَّ جوارحهِ
وإمكانياتهِ».  مستويات عدة يتم التعامل من خلالها مع ما يدور حولنا تحديداً نحن بني البشر سواء على المستوى الداخلي (الدولة) أو الخارجي ( النظام )، وتدور حلقات التعامل ضمن مساحات الضرورة الحياتية وما تتطلبه من جهد للحفاظ عليها من قبل الإنسان نفسه، ذلك الكائن المختلف الذي تنصب عليه كل تجارب البشرية العلمية وغيرها من مستويات التفكير، فتارة توسع الدولة ومصدر قوتها يقع ضمن قياس الزخم البشري، وما يشكله من مصدر قوة لها، وتارة تتعارض هذه الفكرة مع فكرة أوسع تشكلها قوى النظام التي تفسر الزيادة السكانية، على أنها خطرٌ يسهم بكل مشكلات الكرة الأرضية، وبين الداخل والخارج بات الإنسان سلعة لكل حاكم لنظام، سواء على المستوى الضيق أو المستوى الواسع الغير محدود. مع كل مرحلة تُبشر بها الإنسانية بتجديد مساراته تعلن بالمقابل الاستغناء عن شيء ومهما كان هذا الشيء، فهو بالضرورة شيء لا يمكن تعويضه، مسارات متعددة لمراحل مختلفة تداخلت لتجعل من الإنسان جسراً بين محطات معظمها لا تصلح فيما بعد لأن يمتلك ذاته، متلازمة الحياة والبقاء والاستمرار تُحتم أن يكون الإنسان ماكنة لا تتوقف تسعى لتحقيق مبتغاها بشتى الطرق، لتجد في نهاية المطاف تابوات لا يمكن أن يتعداها إلا أن يكون ضمن مشروع فالوطن بحاجة إلى عمال وبُناة ومضحين من أجل بقائه وازدهاره والعالم بحاجة لديمومة بشرية تعمل باستمرار لتربط الليل مع النهار في سبيل تحقيق النتائج، التي بشر بها ذلك القابع خلف معاناة كل من يحاول أن يعيش، وبين بقاء الوطن وديمومة العالم تتدحرج كره الإنسان من أعالي سفح سوق العرض
والطلب. نعم إنه العالم بتجدده وتطوره وخذلانه حتى ترتفع أمم لا بد من انهيار أخرى وحتى تغتني دول لا بد من تفقير أخرى وحتى يعم الأمن في دول لابد من إشاعة الفوضى في دول أخرى، وبين هذا وذاك يبقى سؤال بنى خيوطه وعشعش داخل عقول الكثيرين كم نساوي دون مساواة مع الآخرين؟، القوانين الأخلاقية في العالم لا تنطبق على الجميع بواقع أن البشر مختلفين فبشر الشمال غير الجنوب والغرب لا يتساوى مع الشرق والعنصر البشري مختلف والسيد غير العبد، والحرية لا تُعطى لمن لا حرية له والأقوى يُسلط على الضعيف من يحكمه والضعيف بالضرورة سلعة القوي، قد نفكر خارج سياقات المنطق إن اثبتنا أن الإنسان سلعة هذا العالم الأرخص على الدوام من حيث المشاهدات والتجارب التي تُثبت تطور العالم التي تقابل نمطيه غير
عقلانية. كل هذا يُحيلنا لمعرفة واقع الإنسان على هذه البسيطة وما يعيشه ناتج بناء الصور، التي رُسمت لخلق الواقع الذي جعل من الإنسان سلعة لصناعة غايات أخرى غير الغاية الأساسية التي يطمح إليها هذا الكائن، كل شيء حولنا يؤكد قدرة كل شيء جامد غير منطقي إلى جعل الإنسان سلعة متداولة بقرار مصيري أو عابر غير مفهوم لقادم غير معلوم، بالنتيجة يبقى الإنسان سلعة القرارات والتوجهات التي لا تلعب ضمن قواعد الأخلاق والانضباط الأخلاقي بقدر ما تحاول أن يكون وقود التطور ومراحل التدحرج العالمية لما تتضمنها خطوط الطول والعرض، بالمحصلة ووفق معايير هذا العالم المتجدد ما هو إلا شيء من أشيائه قابل للتغير والابتكار فهو حقيقة غير مرغوبة