سناء الوادي
هذا ما كان عليه لسان حال الفصائل الأربعة عشر الفلسطينية في العاصمة الصينية بكين عقب التوقيع على إعلان ينهي الخلافات المشتعلة بينهم منذ العام 2007م ويقضي إلى الاتفاق بتشكيل حكومة وفاق وطني تنضوي على إثرها جميع الفصائل تحت لواء السلطة الشرعية المتمثلة بمنظمة التحرير.
لكن السؤال الذي يتردد الآن في أذهان الكثيرين هو لماذا الآن؟ ولماذا في الصين؟ خاصة بعد عدة محاولات عربية سابقة لرأب الصدع الداخلي، كان أولها نتاج الاشتباك المسلَّح بين الفصائل في 2007م حيث دعت المملكة العربية السعودية الحركتين فتح وحماس لتشكيل حكومة وطنية، وتم إعلان اتفاق مكة، ولكن لم تتكلل بالنجاح على أرض الواقع لتدخل القاهرة بعدها بعامين بجهود للوساطة باءت بالفشل بعد مطالبة حماس بإضافة تعديلات على الورقة المصرية، والتي قوبلت بالرفض، كذلك كان لدمشق جهود حثيثة في هذا الإطار وجهزت لمؤتمر في دمشق لم تحضره الفصائل المتنازعة آنذاك، وبقي الحال على وضعه حتى وصلت الجزائر لاتفاق مبدئي للمصالحة في نهاية العام 2022م كما وخاضت روسيا جولات لجمع الفصائل بين جنباتها في فبراير من هذا العام، غير أنَّها كانت مبهمة النتائج إلى أن فجرت الصين المفاجأة بالاتفاق بين كل الفصائل في الثالث والعشرين من يوليو الجاري.
ذهب العديد من المراقبين للشأن الفلسطيني بأنَّ إعلان بكين الذي يحمل في مضامينه نقاطاً جوهرية ترسخ لإقامة دولة فلسطينية مؤسسية كاملة المعايير، تكون فيها الكلمة العليا للسلطة بقيادة محمود عباس هو الرد الأمثل على تصويت الكنيست الإسرائيلي بعدم الاعتراف بالدولة الفلسطينية، مطلقاً وهذا ما يضفي ثقلاً للوجود الدبلوماسي الفلسطيني في المحافل الدولية والأممية وبخاصةٍ بعد ما شهدته تلك التكتلات الدولية من التفاف قوي حول القضية الفلسطينية والاعتراف بالوجود والحق المشروع لها، ناهيك عن تجريم رئيس حكومة الكيان وممارسات جيشه في محكمة العدل والجنائية الدولية، حيث كانت حكومة السلطة فاقدة لفرض كلمتها على الفصائل الرافضة لعديد قراراتها وممارساتها واتفاقاتها مع الكيان المحتل، بل وتتهمها بالعمالة المبطنة له.
ولربما ما ذكرتُه كانَ سبباً في عدم تواجد الأخيرة كطرفٍ في كافة المفاوضات التي جرت وتجري من أجل وقف سيل الدم في قطاع غزة، ولهذا فهي توصف بالعاجزة عن وقف الزحف الاستيطاني المستمر بشراسة في مناطق حكمها في الضفة الغربية والقدس الشرقية وغيرها، فكيف لها أن تؤثر في حركة حماس وفصيلها المسلّح.
وهذا ما يزيد من الغموض والاستغراب حول قَبول حماس بالانضواء تحت جناحها والإذعان لأوامرها بعدما اتهمته بالتسبب بكل ذلك الدمار في غزة، وحمَّلته أربعين ألف شهيدٍ سقطوا منذ قيام الطوفان.
قد تحمل طيَّات الغموض إشاراتٍ جلية تعطينا مفاتيح الإجابات، ففي السنين الماضية لم تنجح جهود المصالحة لأنه لم تتوفر الإرادة الحقيقية لدى عدة فصائل لإتمام الاتفاق، فكل منها كان له وجوده ومكتسباته التي يدافع عنها، بيدَ أن معطيات الواقع اليوم بعد تسعة أشهر من الحرب المجحفة من اليمين المتطرف الحاكم في إسرائيل والتي شكلت عوامل ضاغطة على الطرفين الأبرز ـ حركة فتح كممثلة للسلطة والتي تقضم سلطات الاحتلال يوماً بعد يوم جزءاً من صلاحياتها وتحجّمها وتسحب منها التمويل المالي، الذي يجعل وجودها شكلياً على الأرض، بل ومتناقصاً بسبب تزايد عدد المستوطنات والتضييق على الشعب الفلسطيني هناك ـ كذلك حماس التي تقف على المقلب الآخر في غزة وقد أنهكت بعد إطالة أمد الحرب وتعطيل عقد الهدنة من قبل نتنياهو، فضلاً عن الضغط الشعبي الكبير من أهل القطاع الذي يعيشون ظروف المجاعة والتشرّد بأدق تفاصيلها ـ كل ذلك شكّل أرضية خصبة لزرع بذور الوحدة والاتفاق لمواجهة عدوٍّ شرس، فالأولى تسعى لتأكيد شرعيتها بضم الفصائل تحت لوائها والأخرى بات من الضرورة الملحة لها أن تكون جزءاً من الحكومة ما يعني وجود مظلة تبقيها في مركز صنع القرار بعدما تعرض حكمها لقطاع غزة للخطر، ولهذا نجدها تخلَّت عن فكرة البديل للسلطة إلى جزء لا يتجزأ من السلطة وبذلك ترسخ دعائمها كجزء من الحل في اليوم التالي.
ومن المنطقي أن ننطلق من مخططات الكيان وتصوراته لليوم التالي حيث يسعى جاهداً، لأن لا تكون حماس على الخارطة السياسية حينها، خاصةً بعد تسريباً من موقع أكسيوس الاستخباري جاء فيه عقد مباحثات سرية أمريكية إسرائيلية إماراتية تجهز لما بعد الحرب لا يوجد في ظهرانيها وجوداً حمساوياً ولا حتى لمنظمة التحرير في القطاع، إذاً الخطر ليس محدق فقط بالفصائل بل تعدى ذلك للوجود الفلسطيني ككل، ومن هنا قالت الفصائل المجتمعة في بكين ليس لدينا ما نختلف عليه بعد الآن، وكلنا أمل بأن يتكلل ذلك الاتفاق بخارطة طريق دقيقة وجداول زمنية واضحة في قادم الأيام.
كاتبة وإعلامية سورية