أدوات التضليل والإعلام

آراء 2024/08/01
...

  أ.د.عبد الواحد مشعل
لا يزال الإنسان العربي يستقي معلوماته من قنوات وإذاعات وصحف أجنبية، بسبب استمرار الشكوك بمصداقية الإعلام العربي، لذا فإن عملية الانتقال من الأدوات المضللة إلى الإعلام المسؤول محكومة بظروف ثقافية وسياسية ومنهجية
 هناك فرق شاسع بين أدوات التضليل والإعلام في علمنا العربي، فالإعلام الحقيقي هو المسؤول عن تبصير الناس بالحقائق والمعلومات الصحيحة، وتنوير الفكر وتحديثه وتجديده على وفق العصرنة، وخير الإنسان وتقدمه بمصداقية، أما أدوات التضليل هي تلك التي تكون مطية بيد الحاكم يوجهها على وفق مصالح حكمه، وهي تؤدي بالمجتمع نحو التأخر والتقهقر، لذا فإن الإعلام العربي بغالبيته العظمى ليس إعلاما كما يرمز له، إنما أدوات تضليل وكذب لذا كان ولا يزال الإنسان العربي، حين يرغب باستسقاء معلوماته يذهب إلى الإعلام الخارجي الأجنبي، وكلنا يتذكر حينما يحصل حدث في الشرق الأوسط أو في أوطاننا، كنا نذهب بأسماعنا إلى إذاعة القسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية أو إذاعة مونتي كارلو وغيرها، واليوم الحال نفسه يتكرر حينما تجري أحداث في منطقتنا نذهب إلى القنوات العالمية، لفهم ما يجري فعلا، لذا كان الإنسان العربي عامة ضحية أدوات مضللة تسمى إعلاما، وما زالت تراوده أحلامه ببناء مؤسسات اعلامية تقوم بالدور الذي يتلاءم مع مستجدات العصر، الذي لم تعد الوسائل المضللة فاعلة فيه أو تنطوي أساليبه عليه، كما كان الحال ما قبل عصر العولمة وأدواته المعلوماتية والاتصالية، حتى اصبح يواجه مشكلة أخرى تصل إليه الحقائق، لكن لم تعد لدينا الوسيلة أو الطريقة التي تحفزه على الرد أو المساهمة فيه، وعلى الرغم من كل ذلك ما زال الكثير من وسائل الإعلام العربي تمارس ذاك الأسلوب القديم في التضليل، لكن بطرق تعتقد أنها جديدة، إلا أنها في حقيقية الأمر هي تلك الصورة التقليدية نفسها مع تلميعها بألوان باهتة، فلا يزال الإنسان العربي يستقي معلوماته من قنوات وإذاعات وصحف أجنبية، بسبب استمرار الشكوك بمصداقية الإعلام العربي، لذا فإن عملية الانتقال من الأدوات المضللة إلى الإعلام المسؤول محكومة بظروف ثقافية وسياسية ومنهجية، ليس من السهل التخلص منها، فليست المسألة سهله كما يضن البعض في عالمنا الثالث، بسبب تلاطم الأفكار وتعدد الفرق، وكثرة الكذب، وأساليب التضليل وتنوعها، فالقضية في أصلها تحتاج إلى ثقافة ديمقراطية يكون فيها الإعلام حرا ومسؤولا يعمل من أجل الحقيقة، والكلمة الحرة، حتى تلك الأدوات التي اصبح ما يطلق عليها بالإعلام الجديد، والمتمثلة بصحف الكترونية شخصية أو مواقعية وقنوات اليوتيوب وأدوات التواصل الاجتماعي الفيسبوك وتويتر وغيرها، على الرغم من يظهر فيها البعض من يتبنى الكلمة أو الفكرة الصحيحة، إلا أنه ما زال الكثير منها عبارة عن أدوات تضليل، أو حبيسة ثقافة طبق الأصل لأدوات التضليل العربية نفسها، لذا فإن المشكلة تبقى قائمة إلى أن يتبنى المجتمع المعرفة العلمية، التي بها يتمكن من إحداث التغير الفكري البنيوي، الذي سيقود إلى التغير البنيوي التقني الثقافي، الذي يجعل الواقع الجديد يفرض نفسه بتقنيته وحضارته على الجميع، لينتج لنا إعلاما حرا ينقل الحقائق كما هي، ويرسي قواعد التطور المعرفي والحضاري، لذا فإن تقييم واقع الإعلام في المجتمعات النامية ليس بالأمر الهين، لما يتصف به من خاصية البساطة والتعقيد في آن واحد، فتتمثل بساطته في أن أصحابه لا يزالون مقتنعين أنهم إعلاميون، وسواء كانوا يدرون أم لا يدرون، أنهم يمارسون دور الإعلان بدل الإعلام، وكونه معقدا لأن وجوده في ثقافة سميكة الجدران متمثلة بالثقافة التقليدية الأحادية التي يطرب عليها بدرجة لا يستهان بها العقل العربي، فلا يستطيع المتنورون الإعلاميون المهنيون أن يجدوا لأنفسهم مكانا ملائما ليقوموا بأدوارهم المهنية الملتزمة، وهو أمر يؤشر إلى أن الإعلام بمعناه الناقل للمعلومة الصحيحة ما زال بعيد المنال، إلا بتبني المعرفة وتحقيق التغير الثقافي البنيوي المشار إليه في أعلاه.