ذباب ثقافي

ثقافة شعبية 2024/08/01
...

كاظم غيلان

تفتقت ذات يوم عبقرية والي بغداد خير الله طلفاح ليصدر كتابه الشهير الذي اعترض بموجبه مخلوقات الله وبـ (ميانه زايده) كأنه معترض على أمين العاصمة أو مدير الأملاك، إذا ثبت عنوانه النادر بجملة اعتراضية (كان على الله ألا يخلق ثلاثة:    الفرس واليهود والذباب). وقتها احتكمت رجلاً طاعناً في السن بمنطقتنا (التوراة) كان قد عاصر اليهود الذين قطنوها، فحسم الأمر برد مقتضب جدا :
(هذا يحجي بزود ابن اخته) .
وحقاً هذا فلو لم يكن ابن اخته صدام حسين لما تجرأ في إعلان اعتراضه الذي قد يزعج (عبد الله المؤمن).
لربما ثمة من يتفق مع عبقرية طلفاح الاعتراضية بشأن اليهود والفرس، ولكن ماذا عن الذباب؟
لم أجد ثمة ما يسيء للذباب ولا حتى يذكر في الكتب السماوية باستثناء آية واحدة وردت في النص القرآني وتحديداً في سورة الفتح :"إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً".
ولا أريد الخوض في التفسير والتأويل بقدر ما أنني لم أجد فيها مايمنح طلفاح حق " الفيتوذبابي".
قبل أيام قليلة جداً وجدت نفسي غاية في التضامن مع اعتراض طلفاح على خلق الذباب، لكن من زاوية أخرى، أما كيف فذلك ذباب آخر، إنه الذباب الإلكتروني الذي سوقته لنا مواقع التواصل الاجتماعي، هذه النعمة التي غدت نقمة .
الذباب بطبيعته مصدر إزعاج وإغاظة ولربما نجاسة لن يطيقها المرء فكيف به ويتحول إلى(ثقافة)؟.
ماذا عمن يحدثك عن ماهية الوجود والأساطير والرموز والتفكيكية وما بعد الحداثة، إلا أنه سرعان ما يتحول إلى ذبابة إلكترونية يهاجمك انتصاراً  لمقدسه الثقافي أو الطائفي أو العشائري أو المناطقي؟
هذا المثقف الذبابي الذي يرى في نفسه أحقية مطلقة بانتقاد تصرفات أبناء قاع مجتمعه ويجد فيهم خلاصة رثاثة يتحول إلى ذبابة إلكترونية تشوش رؤيتك وتغيظك وتضطرك لفقدان أعصابك.
هذا المثقف الذبابي الذي يصدع رأسك في الحديث عن بطولاته وانحيازه لقضايا الشعوب المقهورة وقيم الشجاعة والشرف سرعان ما يتخفى خلف اسم مستعار بناءً على ما تمليه عليه ذبابيته .
أيعقل أن ثقافتنا غدت ذباباً لتدفعني إلى أن أصطف مع اعتراضات طلفاح لفرط ما بلغ القرف من حدود لا تطاق؟.
اللهم نسألك غضبك من ذباب ثقافي أغاظنا وأزعجنا.