قائد الجيش الأوكراني: طائرات أف 16 ستغير النتائج

بانوراما 2024/08/01
...

 لوك هاردينغ
 ترجمة: بهاء سلمان

مع جلوسه على كومة من صناديق العتاد داخل إحدى القواعد العسكرية السرية، كان الجنرال «اليكساندر سيرسكي» كتوما للغاية حيال موعد تسلّم اوكرانيا لطائرات اف 16 المقاتلة التي طال انتظارها. إذ قالت هولندا وبعض الحلفاء الآخرين بأنها ستصل قريبا. هذه الأيام؟ أو ربما خلال الشهر المقبل؟ «أنا أعرف الموعد، لكن لا يسعني إخبارك حولها، لسوء الحظ،» قال سيرسكي، معتذرا، وسط أصوات نوارس قريبة من المكان.تكمن مهمة سيرسكي؛ القائد الجديد للجيش الأوكراني بدحر جيش روسي أكبر حجما؛ فبعد سنتين ونصف من الهجوم الروسي، يقر الجنرال الأوكراني بامتلاك الروس لموارد أفضل، فهم يملكون كل شيء؛ من دبابات ومركبات قتالية للمشاة وجنود.

وارتفع العدد الأصلي للهجوم من مئة ألف جندي إلى 520 ألف فرد، حسب قوله، مع هدف للوصول إلى 690 ألف رجل بحلول نهاية العام الحالي؛ وهذه الأرقام لم تعلن للاوكرانيين.
«عندما نأتي للمعدات، فهناك نسبة واحد إلى اثنين أو واحد إلى ثلاثة لصالح الروس،» يقول سيرسكي. ومنذ العام 2022، «تضاعف» عدد الدبابات الروسية، من 1700 إلى 3500 دبابة، وزاد نظام المدفعية ثلاث مرات، وارتفعت ناقلات الجنود من 4500 إلى 8900 مدرّعة. «ولديهم ميزة بارزة من حيث القوة والموارد، لذلك، بالنسبة لنا، تحتل مسألة التجهيز ومسألة الجودة الصدارة
 حقا.»
منذ الخريف الماضي، تواصل القوات الاوكرانية تقهقرها بشكل ثابت. كانت أحد أول القرارات حينما حل سيرسكي في موقعه شهر شباط الماضي، بدلا من «فاليري زالوزهني»، سفير بلاده الحالي لدى بريطانيا، هي أمر الانسحاب لقواته من مدينة افديفكا الشرقية؛ وتزامن الانسحاب مع انقطاع موارد السلاح الأميركي لستة
أشهر.

تواصل القتال
لقد وصل المزيد من السلاح مؤخرا. مع هذا، لا يزال الروس يستولون على حقول وقرى منطقة دونباس الشرقية، مستخدمين قنابل تلقى من الجو لفتح الطريق إلى الأمام. واجتاحوا مناطق تقع شرق وغرب افديفكا، متوجهين نحو حامية بلدة بوكرفسك، محاصرين مستوطنة كاسيف يار الواقعة على قمة أحد التلال. خلال آيار الماضي، فتحت القوات الروسية جبهة جديدة في منطقة خاركيف، قاصفة مدينة فوتشانسك؛ وكانت أوكرانيا تتوقع هذا الهجوم، لكنها لم تتمكن من إيقافه.
وخلال مقابلة حصرية مع الغارديان، وهي أول مقابلة له مع صحيفة أجنبية كقائد عسكري عام، اعترف سيرسكي بأن الأمور كانت «صعبة للغاية».
«هاجم الروس مواقعنا باتجاهات مختلفة،» يقول سيرسكي. هل يمكن إيقاف التقدّم الروسي؟ يجيب القائد الأوكراني: «نعم، بالتأكيد. بادئ ذي بدء، الأمر يعتمد على جنودنا وضباطنا (الشجعان)، فبشكل متكرر، قامت الوحدات الأوكرانية بدحر مجاميع أكبر للروس». مضيفا: «على سبيل المثال، فشلت المحاولة الروسية الأخيرة لاحتلال خاركيف ومقاطعة سومي المجاورة». وأوضح بأن القتال مستمر، بيد أن سعي بوتين لإنشاء ما يطلق عليه «ممر آمن» محاذي لحدود روسيا مع اقليم بيلغورود قد تم إحباطه. وبسؤاله عن شائعات تخطيط موسكو لهجوم آخر بمنطقة زابرزهيا الجنوبية، أجاب بأنه «إذا حصل هذا الهجوم، بوسعنا توجيه رد مناسب
 لهم».
بشكل عام، حاول سيرسكي وضع الانتكاسات الأخيرة ضمن سياق الكلام، فقد وصف انتصارات روسيا الصعبة التحقيق بأنها «تكتيكية»، وهي مكاسب محلية أكثر من كونها اختراقات «عملياتية»، مثل إحتلال مدينة كبيرة.. ومبدئيا، لم يحققوا أي تقدّم مهم». كان خط المواجهة «بطول 3700 كيلومتر، الأعمال الحربية وقعت عبر 977 كيلومترا منها، وهي تمثل ضعف طول الحدود الفاصلة بين فرنسا وألمانيا،» بحسب
سيرسكي.

تقليل الخسائر البشريَّة
يرى القائد الأوكراني أن النجاحات الروسية تحققت على حساب تكلفة بشرية باهظة، بحدود ثلاثة أضعاف ما قدمته اوكرانيا، وربما أكثر في بعض المناطق،» يقول سيرسكي، مؤكدا أن «عدد قتلى الروس هو أكبر بكثير.» وبسؤاله عن إشارة الرئيس زيلينسكي خلال شباط الماضي إلى مقتل 31 ألف جندي اوكراني منذ العام 2022، فهل بإمكان سيرسكي تحديث هذا الرقم؟ رفض الإجابة على هذا السؤال، مشيرا إلى أن الخسائر تعتبر موضوعا «حساسا»، وبامكان موسكو استغلاله.
قارن سيرسكي بشكل متناقض بين تكتيكاته الحربية مع تلك التي يستخدمها القادة الروس، المعروفين بتضحياتهم لأعداد هائلة من قوات المشاة لأجل كسب «مئة إلى مئتي متر». «من المهم جدا بالنسبة لنا أن نحافظ على حياة جنودنا، نحن لا ندافع عن خرائب حتى الموت،» يقول سيرسكي، مؤكدا عدم استعداده «لتحقيق الأهداف بأية تكلفة كانت»، أو رمي رجاله في «هجومات مهلكة». أحيانا، كان من الضروري التحرّك نحو «مواقع أكثر تفضيلا».
وفي خضم التشكيك بإمكانية اوكرانيا تحقيق إنتصار كامل، نوّه سيرسكي عن تطوّرات ايجابية متعددة، فطائرات أف- 16 ستعزز قدرات الدفاع الجوي لاوكرانيا، لأنها تتيح لكييف التحرّك بشكل أكثر فاعلية ضد صرايخ كروز الروسية، وضرب الأهداف الأرضية بشكل أدق. مع هذا، فهناك حجم محدد لما يمكن لهذه الطائرات إنجازه، فعليها البقاء على «بعد أربعين كيلومترا عن خط الجبهة بسبب خطر امكانية اسقاطها من قبل الروس»، بحسب سيرسكي.

صراع التقنيات الحديثة
لدى روسيا «طيران متفوّق» ودفاع جوي «قوي للغاية»، بسبب هذا الحال تلجأ أوكرانيا بشكل متزايد نحو أنظمة جوية بدون طيارين، واستخدمت طائرات الدرون «بفاعلية كبيرة»، وكانت تختبر «أنظمة روبوتية أرضية»، هي عبارة عن روبوتات أرضية قادرة على توصيل المؤن وإنقاذ الجنود المصابين، وهناك قيادة لأنظمة غير بشرية جديدة، وهي الأولى من نوعها. «نحن لا نقاتل بحسب الكمية، بل بالنوعية،» يقول القائد الاوكراني، مضيفا بأن طائرات الدرون لعبت «دورا كبيرا مثل دور المدفعية.»
وتستخدم القوات المسلحة الأوكرانية بشكل ناجح طائرات درون انتحارية بعيدة المدى لضرب الداخل الروسي، يقول سيرسكي. لغاية الآن، استهدفت تلك الطائرات «نحو مئتي موقع شديد الأهمية للبنية التحتية». جميعها كانت مرتبطة «باللوجستيات العسكرية»، وتشمل المصانع ومستودعات الوقود والذخيرة. بنفس الوقت، عملت الزوارق السريعة الموجهة آليا على إغراق نحو ثلث الأسطول الروسي الموجود في البحر الأسود. «لقد صارت حقا فخا لهم، ولبعض القطع البحرية
مقبرة».
يضيف قائد الجيش بـ «أن الكرملين قد أرغم على الانسحاب من ميناء سيفاستوبول في القرم، بعد سلسلة من الهجمات الاوكرانية، ومحقت ضربات طائرات الدرون والصواريخ مواقع الرادار وتنصيب الصواريخ. كما إن أحد أهداف أوكرانيا الرئيسة تكمن بتدمير طريق كيرتش ومعبر السكة الحديدية الرابطة بين جزيرة القرم وروسيا. ورفض سيرسكي الإفصاح عن التاريخ الذي ربما سيحصل فيه هذا الأمر. فلقد تحدث عن خطة لإعادة القرم، بعد مرور أكثر من عقد على ضمها لروسيا. «بكل تأكيد، الأمر يمثل سرا عسكريا كبيرا.. سنفعل أي شيء نستطيع عمله للوصول إلى الحدود الدولية لسنة 1991، (عندما صوّتت اوكرانيا على الاستقلال من الاتحاد
السوفيتي).

خلفيَّة سوفيتيَّة
ولد سيرسكي البالغ من العمر 58 عاما في فلاديمير، هي مدينة تقع خارج موسكو، فيما كان آنذاك يعرف بالاتحاد السوفيتي. ومنذ عقد التسعينيات، خدم ضمن القوات المسلحة الأوكرانية. يتّهمه المنتقدون بحمله لفكر عسكري سوفيتي، أما المؤيدون له، فيصفونه بالقائد المنضبط والموهوب الذي، على خلاف سلفه صاحب الشخصية القوية، زالوزهني، غالبا ما يذهب إلى خطوط المواجهة الأمامية. في شباط 2022، ولكونه قائد القوات البرية، قاد عملية الدفاع عن كييف. جعل زيلينسكي منه بطلا لأوكرانيا، وقبل ستة أشهر رفعه إلى منصب قائد الجيش.
بالتقرّب منه، يعد سيرسكي ودودا ولطيفا، ومصافحة يده قوية للغاية. استلزمت مقابلته ترتيبات مطوّلة، وجولة غامضة بسيارة نقل صغيرة. لنا أن نتصوّر حرص الكرملين على استهدافه. شيّد فريق المساعدين منصة صغيرة لظهوره النادر في الصحافة، مع تمويه للخلفية.
وشأنه شأن العديد من جنود الخدمة، فهو نادرا ما يرى عائلته. «انهم يعانون بعيدا عني، بالتالي فلربما الأمر يمثل قضية بالنسبة لي أيضا. لكنني أعلم بأننا سننتصر، وأعرف ما ينبغي علي فعله؛ وأنا على يقين بأننا سنحقق ذلك.» ويضيف الجنرال بأنه لا ينام إلا ساعات قليلة؛ وفي أوقات نادرة خارج العمل، يقرأ كتب حول التاريخ الأوكراني، لأجل فهم «الوسائل» الماضية. «لدينا شعب شجاع وتأريخ
صعب».
وتكمن أحد أكثر التحديات ضغطا على سيرسكي في إيجاد متطوّعين جدد لتعويض القتلى والمصابين من الجنود. وأولئك الذين يقاتلون في الخنادق يشعرون بالإنهاك، والمشاعر الوطنية التي أدت بالكثيرين في ربيع 2022 للتطوّع قد خمدت. وكانت الحكومة قد قلّصت سن التجنيد الإجباري من 27 إلى 25 سنة؛ وبدأ تنفيذ قانون جديد مؤخرا، يطلب من الرجال تسجيل تفاصيلهم لدى مراكز التجنيد العسكري. استجاب الكثيرون للقانون، بينما هناك آخرون يحاولون
الاختباء.

دعوةٌ لدعم المعركة
يشير سيرسكي إلى أنه بدون تجنيد لا يمكنه إنشاء قوات احتياطية جديدة، المطلوبة بشدة مع مضاعفة الروس لقواتهم البرية. «من المهم جدا بالنسبة لنا أن يؤدي المواطنون الاوكرانيون واجبهم الدستوري،» يقول سيرسكي، محثا الأوكرانيين المقيمين خارج البلاد على المشاركة أيضا. «أتأمل بعد تحقيق الانتصار أن يكونوا قادرين على إخبار أولادهم أين كانوا. أين كنتم حينما كان جميع أبناء أوكرانيا يقاتلون تحت مثل هذه المعركة الشرسة؟ هنا تكمن
العبرة.»
ويجري حاليا ترتيب إحدى المبادرات في بولندا المجاورة، فستتم قريبا دعوة اوكرانيي الخارج للانضمام للفيلق الجديد هناك. وسيتم إجراء التدريب في بولندا أيضا، لبناء الثقة بين الرجال والضباط. لاحقا، سينتقل الفيلق إلى الجبهة. انتقد سيرسكي رئيسه في هذه «الطريقة المختلفة». يشعر الواحد منا بكون العلاقات بين الرجلين منسجمة، ربما ساعد على ذلك عدم وجود طموحات سياسية لدى القائد العسكري، مع قوة شخصية مقارنة مع زالوزهني.
بدأت روسيا فرض سطوتها العسكرية على أوكرانيا سنة 2014، عندما أخذت من جانب احد أجزاء من مقاطعة دونتسيك. وبعد مرور أكثر من عقد، ومع إحتمال ضئيل بنهاية الحرب الأكبر في أوروبا منذ العام 1945 هذه السنة، أو السنة القادمة، وكان دونالد ترمب قد تعهّد سابقا بإنهاء الحرب في يوم واحد برغم ما تقدم. فهل بامكان أوكرانيا كسب الحرب؟ وإذا ما تحقق ذلك، كم هي المدة الزمنية الفاصلة عن الإنتصار؟
ختم سيرسكي المقابلة بكلمات مع مغادرته للمنصة: «أعتقد بأنه ينبغي عليك أن تكون في منتهى الشجاعة لتحدد الوقت. نحن نفعل كل شيء لحصول ذلك، وببساطة، لا يوجد هناك أية مهمة أكثر أهمية بالنسبة لنا».

صحيفة الغارديان البريطانية