صباح الخزعلي
كثيرة هي الظواهر التي أخذت تطفو على السطح في ظل الانفتاح والديمقراطية، حتى أصبح كل شيء مباحاً من دون رقيب أو حسيب، ومن بينها ادعاء الثقافة العامة ومعرفة كل شيء عن كل شيء، من قبل شباب لا يقربون للثقافة بجميع تفرعاتها لا من بعيد ولا من قريب، أو ربما ما زالوا في أول السلم ويتواجدون بالوسط الثقافي، معلنين عن أنفسهم بقوة بلا منجز حقيقي، إلا أنهم يسعون محاولين بشتى الطرق سلب الفرص من غيرهم ومرافقة أو منافسة كبار المثقفين.
حسن فلاح عطوان يقول: أطالع باستمرار كتباً في مجالات وفنون مختلفة، لكن حتى الآن أعد نفسي محتاجاً لمزيد من المعرفة، ومهما قرأت فلن أصل إلى مبتغاي، لأن العلم والثقافة هما بحر كبير لا يصل إلى أعماقه أي أحد، وبرأيي لا بد أن يحترم من يعد نفسه مثقفاً الآخرين وإمكانياتهم ويعرف حدوده، ومع كل ما أشاهد من حالات سلبية منتشرة بشكل واسع حالياً، فإن هناك شباباً مثقفين ليس بعدد قراءاتهم للكتب وترددهم على المكتبات وحضور المعارض المختلفة، بل بأخلاقهم وتواضعهم واحترامهم العالي للأشخاص والمواعيد.
في حين تجد الطالبة آمنة جهاد أن العديد من الزميلات يبحثن عن الشهرة من خلال إدعائهن الثقافة والمعرفة، وأن لديهن زملاء وزميلات من مشاهير الثقافة في البلاد ويتفاخرن بقراءة كتب وروايات لمشاهير الأدباء في العالم والعراق وفي الوطن العربي، لكن الحقيقة مجافيه للواقع حسب ما تم الوصول إليه، فالغيرة من من بعض المثقفين والمثقفات أخذت حيزاً من اهتمامات الزميلات، وعند السؤال عن السبب يكون الرد بأن المثقف لديه معجبون ومتابعون وبالتالي هو شخص معروف وينال احتراماً من قبل الجميع، فضلاً عن مشاركته في مهرجانات وندوات وبإمكانه طباعة كتب ودواوين شعرية أو قصصية، ولا ينظرن للجانب الآخر الخفي للشخصية المثقفة والذي من خلاله تتطور وتحقق إبداعات متواصلة، بالعمل الدؤوب والجهد الاستثنائي، دون اللجوء إلى الإعلان والبهرجة الزائفة والسعي لحب الظهور والتعالي على
الخلق.
بينما تشير مريم حسين سامي بقولها : الثقافة لها ناسها، فليس كل من قرأ مجلة أو كتاباً أصبح مثقفاً، فعن نفسي قرأت العديد من الكتب وفي مجتمعنا الذي نعيش فيه هناك أدباء وفنانون وشعراء، لكن لم نتأثر بأن نقلدهم أو نقول بأننا ألفنا أو قرأنا كتاباً نثراً كان أو شعراً وغير ذلك من المسميات الأدبية والثقافية، ولدي إحدى الصديقات قامت بجمع معلومات في موضوع عام ومن ثم طبعته كتاباً باسمها تحت عنوان معين، وتقول لي بأنني أديبة وبامكاني طباعة أكثر من كتاب مع أن ثقافتها محدودة، وليس لديها اطلاع كاف على الأدب والثقافة بشكل عام، وطباعة كتب باسمها كارثة وأمر ليس في محله وهي تستعد لطباعة كتاب آخر بمواد تجميعية من هنا وهنا أيضاً، ودائماً ما تقول أن لدي العديد من المعجبين وأنها تقرأ لكبار الأدباء وتلتقي بهم، وبرأيي يجب أن يتحدث أي شخص مبتدئ بهذا المجال على قدر امكانياته والاهتمام أولا بدراسته ومن ثم الخوض في الشؤون الأخرى، كادعاء تأليف الكتب والقصص والروايات والابتعاد عن الحديث الذي يفضي بمزاملة الأدباء والشعراء الكبار، والتسابق في إنجاز كتب لن تقرأ
أصلاً.
محمد علي كريم اختتم موضوعنا بالقول: مشكلة العديد من الشباب أنهم أصبحوا مثقفين ولا يشق لهم أي غبار في قراءاتهم المتنوعة لعدد من الكتب والروايات، إلا أنهم لم يأبهوا بأن الثقافة شيء مكتسب وحرفة منذ الطفولة، وميول تظهر على الإنسان في طبائعه وعلاقاته، وهناك من يصف المثقف بالمعقد أو الانطوائي، لكن بالحقيقة أن المثقف هو من لدية القدرة على التفاعل والتعامل مع الأفكار والثقافات المختلفة، وعلى هذا الأساس ينبغي على الشباب التسلح بالعلم والمعرفة والثقافة العامة، وعدم الخوض في مواضيع هي أعلى من حجمهم ومستوى تفكيرهم وخبرتهم في الحياة، لأن الأمور سوف تتضح ويكشف المستور ويكونون في حرج وفي مواقف لا يحسدون عليها في التفلسف والتمنطق، ومناقشة قضايا وشؤون ثقافية لا يعرفون عنها شيئاً وهي طامة كبرى، لأننا لسنا بحاجة إلى الظهور بغير شخصيتنا التي عرفنا بها ولا بأس في الخوض بالجوانب الثقافية، لكن وفقاً لنقاط مدروسة وعدم الاندفاع وراء الشهرة والسمعة الثقافية المصطنعة.