غاب الشاعر.. حضرت القصيدة

ثقافة شعبية 2024/08/08
...

كاظم غيلان 



بقدر ما تعددت  أغراض الشعر، سواء تلك التي أدرجتها الأكاديميات ضمن مناهجها، أو تلك التي اطلعنا عليها عبر مؤلفات النقاد والباحثين والشعراء أيضا، إلا أن ما يبقى من الشعر هو ذلك الذي يتمرد على الأغراض التي تحد من حريته في الانتشار والحضور الدائم، ولربما تتصدرها قصيدة المناسبة الضيقة الآنية 

العابرة.

قصائد الحب - الغزل- تراهن دوماً على البقاء فهي الأكثر ديمومة من حيواتنا كلها، بدلالة الغناء على سبيل المثال، ذلك الذي يجسد قصيدة الحب ويكفل لها الديمومة على العكس من قصيدة مناسبة وطنية كانت أم دينية، حيث  لن نجد من يتذكرها الا بذكرى المناسبة ذاتها.

يرحل الشاعر عن الحياة ونودعه بأسى ودموع ونكتب عنه مرثياتنا واستذكاراتنا، لكن هل سنتذكر قصائده؟

واي من تلك التي قالها في حياته ستحضرنا؟

للإجابة عن هذا السؤال نعود لما بدأت به وأعني - الأغراض-.

لو عملنا جردة بتلك القصائد التي قرأها المئات من ناظميها في الحرب لما صمدت جميعها أمام قصيدة حب واحدة أو جملة شعرية قدحت في مخيلة شاعر لم نره في حياتنا، ولم يطل علينا من شاشة فضائية وهو يقول:

"كلي شتوصف خطوط احواجبه وعينه 

كلت الحواجب حواجب والعيون اعيون " 

هذه التي قرأناها وتداولناها في جلساتنا قبل أن تصدح بها حنجرة رياض احمد، وفي غياب شاعرها العبقري - الحاج زاير- الذي لم نلتقه في مؤتمر انتخابي، ولم نشاهده متسابقا في ماراثون شاعر العراقية ولا حتى قرأنا اسمه في قوائم المنحة السنوية.

غاب عنا "كاظم الرويعي " منذ زمان لكنه يحضر ويطربنا  بقوة كلما سمعنا:

" ياعشكنه..

فرحة الطير ليرد لعشوشه عصاري"

ثمة المقولة المنسوبة لـ( داروين ) والبعض ينسبها لـ( سبنسر ) مفادها " البقاء للأصلح" لنقارنها بما ذكرت  ألم نجدها هي الأكثر ملاءمة في رهان الشعر؟

القصائد التي قالها أصحابها في حقبة الجاهلية والتي لم يوقع شعراؤها عقودا مع دور النشر كيف عاشت ليومنا هذا في وقت تموت به الملايين في مهدها  من قصائد توزعت اتجاهاتها الشعرية بين ماهو تقليدي وماهو حداثوي لاينتهي الا بـ( الهايكو)؟

تعددت الأغراض وغاب الشاعر لكن حضرت قصيدته فلنسجل اعجابنا لتلك التجارب التي لا تعرف الغياب. ولنصارح أنفسنا بالحقائق البعيدة عن الرطانة التي لا تجدي. 

وبالتالي فالبقاء للأجمل.