النعماني وماء الشعر

ثقافة شعبية 2024/08/08
...

 منذر زكي


تنساب النصوص الشعرية الرصينة على مسامعنا وكأنها قطعة موسيقية مدججة بالصور، حتى تصل بنا الى مرفا الدهشة، خصوصا حينما يتضمن النص دفوف الكلمات المنمقة التي تعلق في آذاننا بسمو.

وحفلت الحقب التاريخية الأولى بفرسان الشعر منذ بواكيره في الجاهلية وما تلاها من العصور الذين جعلوا من الشعر ماء يلوذ به الظمآن دونما ان يرتوي، حتى وصلت القصيدة الى شعراء اخلصوا لمنجزهم بشكل ابداعي لافت، إذ حاولوا إبقاء جذوة الشعر تتقد رغم ما تعرض اليه من تشظي من بعض الدخلاء الذين الصقوا صفة الشاعر على ذواتهم البعيدة جدا عن 

الإبداع.

وشهد العراق على وجه الخصوص حركة تجديدية انبثقت من فرسان القصيدة الذين حملوا النص الرصين على اكفّهم ليصلوا به الى بر البقاء، حيث برز شعراء خطفوا الأنظار مرتمين في حضن القصيدة الواعية التي بقيت حبكتها الناضجة تحرك سكون الشعر حتى هذه اللحظة، ومن هؤلاء الشعراء رياض النعماني الذي تأثر بالقصيدة النوابية المتفردة التي احدثت انقلابا واضحا في خارطة الشعر الشعبي والفصحى على حد سواء، يقول النعماني: 

بيتت شدة ياس

معكوده بسبع بوسات

 لم يكتف بحبه وتعلقه فسار نحو نذور وطواف ورايات ....

وي شباج إمام الورد 

والحضره هلاهل 

والصحن رايات وبخور وضوه وصواني نذور

عندما يصل الشاعر للأمل البعيد ترافقه الحسرات فيعاتب الطبيعة ويحاكي الهوى  تعزية ً منه لأحاسيس ذابت في جفاء المعشوق .

ياساعة تغيب الشمس وانت تهل 

مشاعل ضوه تدك بابي 

واخاف من الحسن واجفل

يكبت الشاعرطوفاناً من المشاعر تفيض بعد أن طفح الكيل صبراً لنيل المعشوق ، أنهاراً تحيط بذراعي فتاة أحلامه ...

أشيلن بيدي شدة الياس 

ومن تكبل أرشك بيهه إمن إبعيد

وأبوس منين مابللك ريك التين

مي الورد والشمام 

الملاذ الأخير للشاعر بعد أن أنهى عزائه لنفسه بقصيدته هو أكتاف الدموع مرتمياً على شواطئها الصماء عسى أن تمحي بعض سطور أحزانه .

أفرفح بالبجي من الفرح يحبيب 

وأظل مانام 

أظل أيام ساهر 

وأنت ريحانه بسريري أتنام

وطن الأبداع للأنسان عامة والشاعر خاصة هو المشاعر المضيئة ، المستدلة بالبكاء حزناً ، والضحك فرحا ً ، والصمت سكوناً  بعمق التأثر، فالشاعر تستعر بداخله الحوادث مخرجة ً أفكاره بركائز ثابتة أفعمها بالقراءة والثقافة والتنوع 

المعرفي.