أفلام الكارتون.. من بهجة ذاكرة الطفولة إلى المُشاهدة النقديَّة

ثقافة 2024/08/12
...

 رضا المحمداوي 

ما زالت ذاكرتنا الطفولية غضة وطرية، رغم مرور عشرات السنين على صورها وخزينتها المعرفية الأولى، إذ ما زالت مكتنزة بالعديد من ذكريات تلك الطفولة البريئة، وهي تتطلع إلى شاشة التلفزيون، بقناته اليتيمة في ذلك المقهى الشعبي المكتظ برواده، بانتظار عرض مادة(أفلام كارتون) بعد افتتاح البث اليومي للتلفزيون في السادسة مساء وبساعات بث محدودة. وكنا نتطلع وبترقب وشغف شديد لمشاهدة سلسلة الأفلام الأميركية مثل "ميكي ماوس" والبحار العجوز القوي "بباي"، وذلك قبل أن تطالع الأجيال اللاحقة مسلسلات الرسوم المتحركة الشهيرة مثل "عدنان ولينا"، و"كابتن ماجد" وغيرها.

وبعد أن كبرنا عرفنا بأنَّ هذه(الأفلام الكارتونية)قد أصبحتْ نوعاً فنياً جديداً من الأفلام السينمائية العالمية، لتنضم فيما بعد هذه(الرسوم المتحركة)إلى هموم وشجون السينما العراقية، حتى أن عيد السينما العراقية السنوي في العام الماضي قد عَرَضَ فيلم الرسوم المتحركة "ملاك" للمخرجة إيمان الفارس ضمن حفل الافتتاح الرسمي، وهذا يعني في ما يعنيه أن هذا النوع الفني بتوصيفهِ السينمائي قد فَرَضَ نفسَهُ على المؤسسة السينمائية لدينا.   فكيف يمكن النظر إلى هذا النوع السينمائي، الذي يدشّن عهداً جديداً في المشهد السينمائي العراقي المأزوم أصلاً، من حيث الإنتاج والنوع الفني، فضلاً عن المأزق الإنتاجي، المتمثل بغياب حسابات (شباك التذاكر) عن العملية الإنتاجية السينمائية في العراق، حيث الباب المفتوح على مصراعيه للدخول والمشاهدة المجانية للأفلام السينمائية.


ثالث ثلاثة والخريطة السينمائيَّة 

ولا بُدَّ من إلقاء نظرة على الخريطة الإنتاجية النوعية للأفلام السينمائية العراقية وموقع أفلام (الرسوم المتحركة) فيها، فقد توصلتُ ومن خلال المتابعة الميدانية للمهرجانات السينمائية لدينا، إلى أن هذا النمط من الأفلام قد أصبح ثالث ثلاثة من أنواع الأفلام المُنتَجَة والمعروضة، إلى جانب الأفلام الروائية القصيرة بالدرجة الأساس، إذ تحظى بالاهتمام والمتابعة الإعلامية والنقدية لعروضها، ومعها الأفلام الوثائقية، التي تتعاقب عروض هذه الأفلام تباعاً خلال أيام المهرجانات.

ومن المعروف في الثقافة والتقاليد السينمائية السائدة، أن المنافذ المعتمدة في عرض الأفلام، والترويج لها والتعويل على استرداد تكاليف إنتاجها، ومن ثم الحصول على الإيرادات، وتحقيق الأرباح التي تديم دوران عجلة الإنتاج، تقوم أساساً على صالات السينما أولاً، أو العرض مقابل مردود مالي في القنوات الفضائية، أو العرض في المنصات والمواقع الالكترونية المدفوعة الثمن مسبقاً، أو العرض في المهرجانات السينمائية بواسطة تذاكر الدخول، وإذا عرفنا أن صالات السينما لدينا، قد أغلقتْ أبوابها واندثرتْ، وقبلها لم تكن السينما العراقية قد اعتمدتْ على شباك التذاكر طوال سنوات بعيدة، لأدركنا صعوبة المأزق الإنتاجي، الذي يشهده المشهد السينمائي لدينا، وينطبق هذا الحال على إنتاج وعرض الأفلام الروائية القصيرة لدينا، ونستثني من ذلك الأفلام الوثائقية فقط، حيث وَجَدتْ الحضن الدافئ في أحضان القنوات الفضائية، التي تنتجها وتوفّر لها كذلك فرص العرض المتكرر على شاشاتها. وأحسبُ أن أفلام(الأنيميشن) لا تخرج عن هذا المشهد العام، حيث ما زالت تعاني من مأزق إثبات الوجود والحضور الجماهيري والنجاح الفني وذلك بسبب غياب مقوّمات وأُسس النوع الفني المطلوب جماهيرياً ولا يبقى أمامها سوى الحضور الهامشي في المهرجانات السينمائية العامة، أو الحضور الفني المُكثّف في المهرجانات المتخصصة بهذا النوع من الأفلام، مثل مهرجاني (بابل) و(كركوك) لأفلام الأنيميشن فضلاً عن الحضور الإعلامي في المهرجانات العالمية.  

وفي إطار هذا التقييم العام، لا مناص من الإقرار بأننا حديثو العهد في صناعة (الأنيميشن)، من جهة الإنتاج والتمويل والتسويق والعرض والحضور الفاعل والمؤثر في المشهد الفني العام، إذ بدأنا بالتعرف على هذا الفن الصعب تدريجياً بعد العام 2003، إثر دخولنا المتأخر إلى عالم التطور التكنولوجي، بعد اقتحام اخطبوط الانترنت العملاق، لجميع مناحي حياتنا القديمة الساكنة، وكذلك اتساع استخدام وتأثير أجهزة الاتصال المتطورة الذكية، وشيوع استخدام أجهزة الكومبيوتر وبرامجها المتنوعة، لا سيّما ما يتعلق منها بصناعة (الأنيميشن) والبرامج  الإلكترونية الداخلة في إنتاجها. 

ومن الأُسس الغائبة عن هذه الصناعة الفنية أنها لم تدخل في الدرس الأكاديمي حتى الآن، فلا يوجد تخصص فني في جميع معاهد وكليات الفنون الجميلة لدينا لتدريس هذا النوع الفيلمي، الذي يتناول الجوانب والتخصصات الفنية الداخلة في إنتاج وصناعة الأنيميشن، ولذا بقي هذا الفن حبيس المراكز التخصصية بطابعها التعليمي والتدريبي، ومنها مركز قناة كربلاء على سبيل المثال. يتميز فن (الأنيميشن) بأنه يتضمن العديد من التخصصات الفنية، مثل التصميم الفني العام للمشروع الفيلمي، ورسم الشخصيات وعمليات التنفيذ والتحريك، والأسلوب الفني في كيفية استخدام برامج الكومبيوتر، فضلاً عن الحاجة الماسة لكاتب السيناريو المتخصص، والمخرج الفني الذي يشرف على الأداء العام لجميع هذه التفاصيل الفنية. ومن السمات الجمالية لهذا النوع من الأفلام، أنه في الوقت الذي ارتبطتْ صورته في ذاكرتنا، باعتباره فناً موجهاً لشريحة الأطفال والصغار في أعمار محددة، فإنّه في الوقت نفسه، يكون الخيال فيه مُحلّقاً في سماوات الأفكار، والمعاني الجادة والهادفة، مع هيمنة الرسم الطفولي، والطابع التجريدي للشخصيات الكارتونية، واستخدام مثل هذه الأدوات والوسائل الفنية، قد يسلب قوة التأثير والعاطفة للعمل الفني، أو يضعف من تفاعل المتلقي مع الشخصيات الكارتونية المتحركة على الشاشة بعوالمها 

الخيالية.