تعديل قانون الأحوال الشخصيَّة بين التشريعات والشائعات
نافع الناجي
يحاول حسان أن يجد كل معلومة تتعلق بتعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي والمعمول به منذ عام 1959، فمواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الإخبارية تغص بآلاف الآراء حول هذه القضية، إذ وجد المعارض كما المؤيد وما بينهما، بينما وجد القانونيين والمشرعين وآراءهم، الذين يرون أن هذه القوانين منصفة وموزونة، لتحظى مؤخراً بقراءتها تحت قبة البرلمان.
وأعاد البرلمان العراقي القانون لمنصات المناقشة، بغية قراءته والتصويت عليه، بحذف فقرات واستبدالها بأخرى، لكن ما هي الفقرات التي يراد تعديلها والتي تسببت بلغط كبير؟
تشويهٌ وتحريف للحقائق
رجل الدين الشيخ راضي الزهيري، يلفت إلى أن "المتتبع للأخبار من الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي، يرى أن هنالك تشويهاً متعمداً أو ساذجاً لمشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية، وللأسف فهذا التشويه هو للتلاعب بعقول الناس غير المطلعين على خلفيات الأمور وحقائقها".
ويضيف "من الغريب أن تجد هؤلاء أنفسهم الذين يطالبون بمساواة الرجل بالمرأة، ودعاة الحريات التي تتعارض بعضها تعارضاً قطعياً، مع أحكام الشريعة الإسلامية وغيرها". وعن التناقضات بين فقرات القانون وأنصار رفض التعديلات، أوضح الشيخ الزهيري "يدعون أن هنالك إجباراً للفتيات على الزواج دون التسع سنوات، والحقيقة أن القانون يسجل العقد لذوات هذه السن من أجل ضمان حقوقهن، مشترطاً موافقة الولي، ولا يوجد إجبار في الموضوع، وكذلك إدعاء منع النساء من من الإرث، وهذا غير صحيح لأن الزوجة بشرع الله، لا ترث من الأرض لكنها ترث ما عليها، من زرع وبناء ومعدات وما شابه".
وبخصوص حجب النفقة عن الزوجة، قال الزهيري "تمنع الزوجة الناشز التي تخرج من بيت زوجها من دون أمر، أو تمتنع عن المعاشرة الزوجية، وأما باقي الحالات فحقها ثابت في الإنفاق".
حذرٌ وترقب
وعن سبب الامتعاض الذي سجلته الأوساط النيابية والسياسية وأيضاً الشعبية على مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية، أوضح الخبير القانوني والكاتب يحيى محمود بقوله "هذا التعديل على قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، كان عبارة عن مسودة منذ أكثر من دورتين، وهذه هي الدورة الثالثة التي تسعى لمناقشتها وسط محل خلاف ونقاش من أغلبية أعضاء مجلس النواب ومن الشارع العراقي". وأضاف "قسم من الشارع العراقي من المتضررين، خرجوا بتظاهرات يحاولون ويضغطون على نوابهم من أجل إقرار هذا القانون، والمنتفع في المنطقة الرخوة وهي المرأة ذهبت بتظاهرات نسائية معارضة مطالبة بالبقاء على المادة 57 في قانون الأحوال الشخصية، ولا يزال الحذر والترقب سيد المشهد".
وزاد محمود "حقيقة التعديل الذي طالب به مجلس النواب وأغلبية المتظاهرين، كان يقتصر على بعض النقاط، وجرى تعديله وإرجاعه إلى نصه الأصلي، حيث كان النص الأصلي خلاف النص الموجود حالياً"، لافتاً إلى أن "النص الحالي أقر بأن تكون مدة 10 سنوات، في حين النص الأصلي كان 7 سنوات، ولكن قرار مجلس قيادة الثورة المنحل في 1987 عدل هذه الفقرة وجعلها 10 سنوات".
أحكام وقوانين
تقول الناشطة المدنية رحاب جميل "في قانون الأحوال المدنية المعمول به حالياً، يحق للأم حضانة الولد وتربيته بعد التفريق، ولا تسقط حضانة الأم المطلقة، غير أن التعديل الجديد يسلب الأم حق حضانة الولد إذا تزوجت".
وتضيف "كذلك القانون المعمول به حالياً ينص على أن يكون التفريق وفقاً للقانون المدني، لكن التعديل المقترح يوصي بأن يتم التفريق وفقاً للفقه وحسب اختيار الزوجين، وفي حال لم يكن للزوجة مذهب فقهي فالمحكمة تعتمد على مذهب الزوج للتفريق بينهما بما يتعلق بالحقوق".
وتشير جميل إلى أن "التعديلات لم تتوقف عند هذا الحد فحسب، بل يتضمن القانون الجديد إدخال رجال الدين في قضايا الخلع والتفريق، ويتجاهل حالات رفض الزوجين عقد الزواج وفقاً للمدارس الفقهية لكلا المذهبين، بينما القانون المعمول به حالياً في العراق يمنح عقد القران والتفريق وفقاً للقانون لا بحسب الطوائف أو الأديان".
شرع الله وحكمه العادل
أما طالب العلوم الفقهية في حوزة النجف المشرفة مرتضى مزهر، فيرد على شبهة حق الرجل في التزوج خارج المحكمة، ويقول "نعم هو شرع الله عز وجل، وحجب هذا الحق أيام الدكتاتور المخلوع، والطعن بهذه الجزئية هي طعن بشرع الله وشريعتنا الإسلامية (لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما)، فهل نسلم بجزء من الشريعة ونطعن بالباقي؟ هذا لا يجوز".
ويضيف مزهر "نحن كبشر مأمورون بطاعة الله ورسوله، وإنه لا يؤمن الإنسان ما لم يفوّض أمره لله ويطيعه فهو الحاكم العادل الذي خلقنا ويرانا، ويعلم ما توسوس به نفوسنا"، مشيراً إلى أن "من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون، الذين يحكمون ويعملون بغير ما أنزل الله تعالى".
الفقرة الخامسة وزواج القاصرات
ترى الناشطة المدنية غيداء حميد، أن هناك قنبلة موقوتة في تعديلات القانون (بحسب المعترضين)، قد وضعت في المادة الثانية التي نصت على إلغاء الفقرة الخامسة من المادة العاشرة من القانون الحالي، لتحل محلها فقرة تنص على "تصديق عقود الزواج التي يبرمها الأفراد البالغون خارج المحاكم"، وتضيف "المحاولة تهدف لإلغاء فكرة الزواج داخل المحاكم حصراً، وإعطاء سلطة لرجال الدين بإبرام عقود الزواج، ما يتيح زواج القاصرات بكل سلاسة"، حسب تعبيرها، دون أن تبيّن مدى إلزام هذه الفقرة أولياء الأمور بتزويج بناتهم من عدمه.
لكن ما الهدف من هذه التعديلات وما مخاطرها؟ يجيب الحقوقي ناطق صاحب، بالقول "بالوقوف قليلاً عند هذه التعديلات والتمعن بها جيداً، نرى أنها ليست تعديلات، بل هي عملية نسف لقانون الأحوال الشخصية بالكامل، واستبداله بمدوّنة يكتبها رجال دين وليس خبراء قانون"، وحذر صاحب من إقرار هذه التعديلات أو المضي بها، لكونها ستلحق ضرراً بالغاً في كيان المجتمع والأسرة العراقية تحديداً، حسب وصفه.
الشريعة والتشريع
بدورها أقرت الباحثة الاجتماعية لمياء مهدي عبد العال، بأن القانون دائماً يعتمد في أساسياته بالرجوع إلى الشريعة الإسلامية، وتقول "لم تغب الشريعة السمحاء عن القوانين أبداً، فأغلبية مصادر التشريع كانت للدين الاسلامي والكتب السماوية".
واستدركت "لكن التعديلات التي تطرأ على الواقع الحالي، يمكن أن تكون بها إشكالات من ضمن التشريع تضرب مصالح الناس". وأشارت عبد العال إلى أن "هناك قوانين تعد مواكبة للتطور أو للحالة التي يشهدها البلد أو التي تتطلبها المتغيرات، وهذا التعديل أراه مواكباً لهذه المرحلة التي نعيشها والتي تشهد آلاف حالات الطلاق شهرياً في عموم البلاد في طولها وعرضها"، حسب تعبيرها.
وأخيراً، فثمة الكثير من المواد التي هي محل جدل حول تعديل هذه المادة، تتضمن بعض الجنبات القانونية التي تحذر منها الأوساط النيابية والسياسية في مقترح هذا القانون، مثل سلب حق المرأة بحضانة محضونها ومنحها إلى الأب، بل ومنحه إلى أوليائه كالجد والجدة، إذا كان الأب غير موجود، كذلك تتنامى الدعوات لتشريع أو سن قانون الأسرة لوقف ظاهرة العنف تجاه النساء والأطفال وهو قانون أكثر أهمية للمجتمع بحسب بعض فقهاء القانون.