فيلم {الطفيلي}.. التحايل على الواقع

منصة 2024/08/14
...

 وداد سلوم 

الطفيلي parasite أول فيلم آسيوي ينال السعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي عام 2019 ليتابع مسيرته في حصد الجوائز في العام 2020 وينال أربع جوائز في الأوسكار دفعة واحدة كأفضل فيلم أجنبي غير ناطق بالإنكليزية، وجائزة أفضل مخرج (يونغ جون هو)، وأفضل سيناريو أصلي وجائزة نقابة ممثلي الشاشة للأداء. وتابع لنيل جوائز أخرى كجائزة الغولدن غلوب وغيرها. وصلت إيرادات الفيلم إلى أكثر من 266 مليون دولار. كما وضع في قائمة أفضل الأفلام.

يقول المخرج إنه استوحى فكرة الفيلم من جريمة حدثت سابقاً ومن تجربته الشخصية حين عمل كمدرس لدى اسرة ثرية في بداية حياته. 

يصنف الفيلم بالواقعي، فلم يكتفِ المخرج بإظهار التناقض الصارخ بين طبقات المجتمع الكوري والتفاوت الاجتماعي والمعيشي، بل لمح أيضا لانسداد الافق وانعدام الفرص أمام الطبقة الفقيرة لتحسين وضعها ومتابعة حياتها في ظل التلويح الدائم من قبل السلطة السياسية باحتمال نشوب الحرب مع كوريا الشمالية الاحتمال الضاغط كالسيف المسلط على رقاب الناس. 

 يعكس الفيلم نمطين من الحياة في مدينة واحدة، لكن أحدهما يعيش على حساب الآخر أي كطفيلي وهو عنوان الفيلم وللوهلة الأولى يظهر للمشاهد أن الفقراء أو الحثالة هم الذين يستغلون الظروف ويعيشون كطفيليين على حساب الأغنياء بالاحتيال، ثم لا نلبث نرى الفكرة معكوسة، فهؤلاء الاغنياء هم الذين يعيشون على حساب الفقراء بما يكدسون من ثروات غير منطقية أمام حاجة الجزء الثاني من المجتمع لأبسط قيم الحياة، لندرك فيما بعد أن حالة الركود الاقتصادي والمخاوف التي تديرها السياسة من خطر الحرب بين الكوريتين، وأثرها في آلية التطور الاقتصادي في البلاد ينعكس على حياة الطبقة الفقيرة ويزيدها فقرا وهبوطا إلى القاع الاجتماعي.

يبدأ الفيلم من قبو تقطنه اسرة  فقيرة يطل على الحي عبر نافذة بمستوى الشارع، حيث يتبول السكارى وتزدحم القمامة، وحيث المرحاض في القبو أعلى من مكان نومهم ومعيشتهم في إشارة لمستوى القاع الاجتماعي، ورغم أن أفراد العائلة بكامل قواهم وقدراتهم، لكنهم متبطلون لا يجدون عملا يأخذ بيدهم للخروج من هذا القبو والفقر. ولانسداد الافق أمام التغيير وانعدام الفرص تلجأ الأسر للاحتيال وتبرره في سلوكها العام، بدءاً من اقتناص شبكة الإنترنت من الجارة في الطابق الأعلى إلى التعامل مع شركة طلبات الوجبات. فالفقر والمراوحة في المكان والسقف المحدود أمامهم يجعل التحايل على الواقع أسلوبا للحياة بغض النظر عن عدم أخلاقيته.

لكن الفرص تأتي على أقدامها، فصديق الفتى يعمل مدرسا لابنة أحد الأثرياء ويضطر للسفر لإكمال تعليمه، فيقوم بتزكية صديقه للقيام بمهمة تدريسها وتكون البداية. إذ يدخل الفتى منزل الأسرة الثرية ويبدأ بتدريس الفتاة، ورغم أنه يعرف أن صديقه يملك مشاعر تجاهها إلا أنه يبدأ بمغازلتها، ويحقق قبولا لدى العائلة التي تثق به فيرشح لهم آنسة للعناية النفسية بابنهم الصغير، الذي يعاني من اضطراب ومشاكل نفسية، لم تكن هذه الآنسة التي يقدمها كأخصائية سوى أخته. وتبدأ سلسلة الاحتيالات على العائلة الثرية، حيث يتم استبدال السائق بالأب بعد تدبير مكيدة للسائق القديم واتهامه بالقيام بعلاقات جنسية في السيارة. ثم يتم استبدال مدبرة المنزل بعد اتهامها بإخفاء اصابتها بالسل واستغلال حساسيتها تجاه وبر الدراق لإثبات ذلك. هكذا يتم تعيين أفراد العائلة الفقيرة كلهم في المنزل دون أن يظهروا صلاتهم العائلية بالاحتيال على عائلة ثرية تبدو حياتها تدار من قبلهم.

وفي يوم عيد ميلاد الطفل المصاب بصدمة نفسية، تغادر الأسرة للاحتفال في مخيم قرب النهر فتستغل الأسرة الفقيرة غيابها وتعيش في المنزل كأنه بيتها. في تلك الاثناء تأتي مدبرة المنزل القديمة وتتوسل الدخول لرؤية شيء يخصها في القبو وأمام الإلحاح تسمح لها الأم بالنزول إلى القبو، لتكتشف أن تحت المنزل الذي صممه معماري شهير قبو أشبه بالشقة تم تأثيثها بشكل يلبي مستلزمات العيش في حالات الطوارئ والحروب، لكنها تحولت إلى شقة يعيش فيها زوج مدبرة المنزل القديمة، هربا من محصلي الديون دون أن يرى الشمس أو الهواء الطلق. 

يبدأ الصراع بين العائلتين لانكشاف حقيقتهما المستغلة لمنزل العائلة الثرية واحتيالهما عليها وتهديد كل منهما بكشف الآخر لمالك المنزل، الذي يبدو الوجه الظاهر والأعلى للمجتمع المرفه بينما يعيش الفقراء تحت وطأته في الأسفل كالجرذان.

وفي حمأة الصراع تحضر العائلة الثرية بسبب فيضان النهر وانتهاء التخييم لتقيم الحفلة في المنزل، فيتسع مستوى الصراع الدموي وينتهي بثلاث جرائم قتل وإصابة الفتى المدرس برأسه.  ويختفي الأب القاتل لكننا نعرف في النهاية أنه عاد ليختبئ في قبو المنزل، بعيدا عن ملاحقة الشرطة إثر قتله لمالك المنزل الثري.  يعود الفتى المدرس مع أمه إلى القبو القديم ليتعافى من ضربة الرأس، ويسعى إلى تحسين وضعه على امل شراء المنزل لينقذ اباه.

يتم بيع المنزل إلى أثرياء جدد دون ذكر الجريمة، لتستمر الحياة فيه وتحته ترتهن حياة الأب من الأسرة الفقيرة، هكذا يلعب المخرج لعبة جمع المتناقضات في صورة واحدة تعبر عن واقع مؤلم ومستمر، كما يقوم بإجراء المقارنات أكثرها وضوحاً. مشهد المنزل وأحياء الفقراء الغارقة بالمطر المختلط بمياه المجاري والقمامة، وحيث تعوم أغراضهم في المياه بينما يستمتع الأثرياء بمنظر المطر الرومانسي بإقامة الحفلات.

في الفيلم الكثير من الالتقاطات الإنسانية والإشارات، التي تدعو المشاهد للتأمل بعين المخرج السينمائية لا مجال لذكرها جميعا، لكن الأب يستمر بكتابة الرسائل من القبو لابنه عله يوما سيأتي ويقرأها، في أمل للخلاص ينتظرونه جميعا.