مصائدُ الدجالين.. تُوقِعُ النساء في الشراك والغاية {رزق وحبّ وزواج}

ريبورتاج 2024/08/15
...

 علي غني
 تصوير: مصطفى الجيزاني


إذا سمعت أن امرأة لا تجيد القراءة والكتابة تذهب إلى (سحار)، فلا تلومها، لكن إذا كانت هذه المرأة تحمل شهادة الدكتوراه أو الماجستير، فماذا تقول عنها؟!، والأكثر من هذا أن الأسباب أما لطلب الزواج أو مشكلة داخل البيت أو انتقام شخصي من زميلة لها في العمل، وهذه الظاهرة القديمة بدأت تتجدد، ودخلت الوظيفة من باب ثقافة (الكشف عن الغيب) والدعاية (للساحر) بأنه صانع المعجزات .
نذهب للساحر
لم تكن (ي) المتزوجة منذ عشرين عاماً ينقصها الجمال، لكنها أُصيبت بحادث سيارة، ما أدى إلى إصابتها بعوق في قدميها، فطلقها زوجها، وعند عودتها للعمل بعد إجازة طويلة، أقبلت عليها العديد من صديقاتها بالنصائح، إلا أن واحدة منهن قالت لها بالنص (هيا معاً لنذهب إلى أحد (السحارين) سوف يحل لك جميع مشكلاتك، وترجعين إلى زوجك معززة مكرمة بعمل واحد فقط، فأجابتها: إني متوكلة على خالقي هو يحل كل شيء فكان جوابها (خلي يفيدج)، هل يمكن أن يعقل هذا الكلام من امرأة موظفة متعلمة.
أما قصتنا الأخرى فهي الأدهى والأمر، إذ إن صاحبتها تحمل شهادة دكتوراه باختصاصها، ولم تتمكن من أن تسيطر على زوجها إلا من خلال (الساحر) الذي دفعت له مبلغاً كبيراً من أجل ألا يتزوج من أخرى، وباعتقادها أنه يصبح خاتماً بيدها.

العجز والإحباط
يقول علي عبد الصاحب الياسري المهتم بالثقافة الاجتماعية: هنالك أسباب كثيرة تدفع بالنساء للذهاب إلى (السحرة الدجالين)، ومن أهمها هو ضعف الإيمان بالله سبحانه وتعالى وغياب الثقة بالنفس، فضلاً عن أنها محاولة هروب من ضغوطات الحياة اليومية إلى المستقبل عن طريق الوهم، متناسيات أن الإنسان قادر على صنع المستحيل ولا شيء يقف أمام قدرات العقل البشري.
لكن الدكتورة رغد شاكر مسؤولة وحدة الإرشاد النفسي والتوجيه التربوي في كلية الصيدلة/ الجامعة المستنصرية، فسرت لجوء النساء إلى السحر والشعوذة بأنه نتيجة الشعور بالعجز والإحباط في الحصول على زوج بالوسائل العادية، فهن يلجأن إلى هذه الممارسات كمحاولة للتحكم في مصيرهن الزواج، إلى جانب الضغوط التي تمارسها بعض المجتمعات على المرأة للزواج والإنجاب، فقد تلجأ النساء إلى السحر تحت وطأة هذه الضغوطات لتحقيق ما يُتوقع منهن، فضلا ًعن أن بعض النساء قد يؤمنّ بقوى خارقة وأفكار خرافية للطبيعة وقدرتها على التأثير في مسار حياتهن، وبالتالي يلجأن إلى السحر والشعوذة بهدف التأثير في مصيرهن الزواجي، كما أن للبيئة والأسرة تأثيراً بمثل هذه الظاهرة، وعليه تتطلب معالجة هذه الظاهرة تعاملاً نفسياً وتوعوياً هادفاً مع أصل الفكرة غير العقلانية، وتفنيدها على وفق تداخل سلوكي معرفي مع مختص نفسي مناسب.

عواقب وخيمة
ورأت زميلتها الأستاذة الدكتورة ايمان حسن جعدان، التدريسية في كلية التربية ابن رشد  للعلوم الإنسانية، بجامعة بغداد، أن أغلب الدراسات النفسية والاجتماعية أكدت أن سبب هذه الظاهرة هو نتيجة الجهل وضعف الوازع الديني، وشخصية الفرد، والنساء أكثر من الرجال ارتياداً للعرافين أو الدجالين للبحث عن السعادة والاستقرار الأسري، ظناً بأن العراف سوف يساعدهن، ويوفر حلولاً سحرية لجميع مشكلاتهن من دون وعي وإدراك بأن الدخول إلى هذا العالم يصل بهن إلى التهلكة، وتكون عواقبه وخيمة عليهن وعلى أفراد أسرتهن .

حرامٌ وكفر
قلت لأستطلع رأي رجال الدين بهذه الظاهرة، فوجدت الشيخ علي الفؤادي، باحث إسلامي، صاحب نظرة ثاقبة بهذا الموضوع، فأجاب: إن الشريعة الإسلامية ترى أن السِّحر هو عمل خارق للعادة من أجل التصرف في الأشخاص أو الأشياء، وقد اتفق فقهاء الشيعة على حرمة استعمال السحر وتعلمه وتعليمه وأخذ الأجر عليه، كما عدّه علماء الأخلاق من الذنوب الكبيرة، ويُعد السحر في أحاديث الأئمة عليهم السلام مساوياً للكفر يُحرم العمل به.
وبحسب المفسرين، فإنَّ السحر ينقسم في القرآن الكريم إلى قسمين: السحر الذي هو عبارة عن الخداع والشعوذة وخفة اليد وليس له حقيقة، والسحر الذي له حقيقة وأثر واقعي وله دور في التفريق بين الرجل وزوجته. وتابع (الفؤادي): ويفرق علماء المسلمين بين السحر والمعجزة، فالمعجزة مرتبطة بدعوى النبوة، ولأنها تتحقق بإرادة الله تعالى وقدرته، فلا تحتاج إلى ممارسة مسبقة، على عكس السحر لا يُمكن فيه إدعاء النبوة ويحتاج إلى التدريب والتعلم.
وقد ذهب بعض الفقهاء إلى جواز تعلم السحر، بل تعلمه واجب كفائي، إذا كان لتكذيب الكاذب أو مدعي النبوة، كما أن هناك اختلافاً في جواز إبطال السحر بالدعاء والقرآن فقط، أو إبطال السحر بالسحر أيضاً.وبحسب فتوى فقهاء الشيعة (كما يقول الشيخ علي الفؤادي)، فإن الساحر إذا كان كافراً فإنه يُعزَّر؛ أما إذا كان مسلماً ويرى أن السحر حلال فتجري عليه أحكام الارتداد.
وأوضح: أن السحر حرام فعله وتعليمه وتعلّمه والتكسب به، بل إن السحر بجميع أشكاله وأنواعه حرام حتى المستخدم في إبطال السحر، إلّا إذا توقفت عليه مصلحة أهم كحفظ النفس المحترمة المسحورة.‏

نصبٌ واحتيال
ويرى الأكاديمي والباحث القانوني الدكتور أسامة الجعفري: أن السحر والشعوذة من الأعمال المنافية للأخلاق والقيم الاجتماعية، واتجهت التشريعات إلى تجريم هذه الأعمال مثل قانون العقوبات الإماراتي والقطري، أما موقف قانون العقوبات العراقي فلم يجرم هذه الأفعال بشكل صريح ولكن الاجتهاد القضائي سد هذا النقص التشريعي الكبير، فالتطبيقات القضائية عدت أعمال السحر والشعوذة، أعمال نصب واحتيال، فأخضع السحرة والمشعوذين للمادة 456 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل .
وتابع الجعفري: لأن كلاً من الساحر
والمشعوذ يقومان بأعمال خداع الآخرين للوصول إلى منافع مالية أو غير مالية عبر هذه الوسائل الاحتيالية، وأصدر القضاء العراقي قرارات مهمة بهذا الصدد تحت المادة 456 من قانون العقوبات التي تعاقب بالحبس كل من قام بأعمال احتيالية والتي من صورها التطبيقية أعمال السحر والشعوذة.
وهذا يعني أن الساحر هو فقط من يعاقب، أما مرتادو السحرة، فلا يعاقبون لأنهم يعدون من وجهة نظر القانون هم الضحية لا الجاني، والقانون العراقي لا يعاقب الضحية لأعمال السحر سواء أكان مواطناً أو موظفاً، وهذا نقص تشريعي يجب أن يتلافاه المشرع العراقي ويجرم أعمال السحر، ومن يرتاده من المواطنين أو الموظفين.

توعية إعلاميَّة
وأعود للشيخ علي الفؤادي الذي قال: إن انتشار ظاهرة الذهاب إلى السحارين والساحرات لكثير من فئات المجتمع  ليصل الأمر إلى الموظفين والموظفات، لا سيما اللائي يحملن الشهادات العليا، يعد من الأخطار التي تفكك المجتمع، لذلك على الحكومة متابعة ما يجري من تحولات بالمجتمع، لاسيما  السلبية منها وضرورة وضع العلاج الناجع من خلال التوعية بالإعلام، وكشف هؤلاء الدجالين الذين يستغلون ضعف الوعي وقلة الثقافة الإيمانية لدى البعض فينفذون مآربهم الدنيئة .
وتضيف الدكتورة رغد شاكر: أن للبيئة والأسرة دوراً كبيراً في انتشار هذه الأفكار غير العقلانية وتوارثها، وأعتقد أن هذه الظاهرة تعكس حاجات نفسية عميقة لدى النساء في هذه الحالات، والبحث عن طرق لإشباعها بأي وسيلة ممكنة .

ضرورة المعالجة
إن ظاهرة وجود (المروجين للسحر) في مكاتب الموظفين يجب أن تحظى بالمراقبة من المسؤولين، فهي تشكل خطراً على السلوك الاجتماعي الصحيح، وتقود بعض الموظفين، لا سيما الضعفاء إلى التهلكة، لأن الدجالين في المجتمع لا يهمهم السمعة بل يفكرون في جني الأموال والإيقاع بالضعفاء الذين يؤمنون بتلك الظواهر، ويصل الأمر إلى الابتزاز، لذلك لا بد من مراقبة السلوكيات المنحرفة، ومعالجتها ومنعها من الاتساع، فضلاً عن التوعية بمخاطرها على الصعد كافة .