أمراضٌ مزمنة

ثقافة شعبية 2024/08/15
...

كاظم غيلان

كلما تقدم بنا العمر داهمتنا الشكوك وأدمنا مراجعة الأطباء، ولعل في مقدمة الأمراض التي تجتاحنا كعراقيين ارتفاع ضغط الدم والسكري اللذان يصنفان بحسب العلم كأمراض مزمنة يقتضي مقاومتها بالتزامنا بما يصفه الأطباء.
شاعت في ثقافتنا أمراض عديدة هذه الأيام والتي فضحتها صفحات الفيسبوك، فنجد التهاني والتبريكات تنهال على الشاعر زيد أو الروائي عمرو لمناسبة نيل شهادة الماجستير أو الدكتوراه في رسالة خاضت بتجربته، ما يثير الغرابة أن معظمها كانت تجارب متواضعة، بل وبعضها مبتدئة، ما يثير شكوكاً ترتقي درجة اليقين في ظل الفساد المستشري عراقياً والذي لم يسلم منه، مفصل من مفاصل المؤسسات الثقافية والأكاديمية، بل إن أحد الشعراء فضح واقعة حصلت له مع باحث دس له أحدهم مبلغاً ليدرس (تجربته).
نحن أدرى بفضائح الشهادات المزورة وظاهرة الجمعيات والجامعات الوهمية التي تمنح الشهادات بمختلف أنواعها والـ(فخرية) في مقدمتها، هذه التي لن يستحي بعضهم من الإعلان عنها في صفحته، تباهياً ليضعها كتعريفة لشخصيته وبذا يصبح (الدكتور الشاعر) أو (الشاعر الدكتور) ليصطف إلى جانب متفاخرين بألقاب أخرى غزتنا نحن الذين أشبعنا الزمان العراقي غزوات، وإلا فماذا يعني شيوع ألقاب كـ (الشاعر الشيخ) و (الشاعر الحاج) وربما سبقتهما أيضاً (الرفيق الشاعر)؟. لا أريد أو بشكل أدق لم أسع لمطالبة الجهات (العليا) بمراقبة هذه الظاهرة التي لم تكن هذه الجهات بريئة من شيوعها ولربما كانت داعمة ومشجعة، إسهاماً منها بتخريبنا ثقافياً .
أعرف العديد من الأصدقاء الذين جمعتني رفقة سنوات طويلة لهم، زهدوا عن ذكر درجاتهم الأكاديمية وأبقوا على صفاتهم الإبداعية وعلى ما أتذكر الصديق الباحث حيدر سعيد كان في مقدمتهم، يوم نال شهادة الدكتوراه ومع أن مجال تخصصه يسمح جداً بذلك. لكنني هنا أشير إلى الذين أغرموا بال ( د) وكأنهم غير مصدقين .
لست بباحث اجتماعي ولا بدارس لعلم النفس، فأنا رجل (على كد حالي) لكن من حقي كراصد ومتابع أن أجد في هؤلاء إصابة مؤكدة وأمراضاً مزمنة جداً، تشير لعدمية مواهبهم، أو نضوبها في أحسن الأحوال.  فلعمري الموهوب الحقيقي لم يكن بعابئ في الدرجة الأكاديمية إلا بحدودها وفقط .
في التجربة الشخصية عشت مع الصديقين الشاعرين نصيف الناصري والراحل عبد اللطيف الراشد اللذين لم يحصلا إلا على شهادة مدارس محو الأمية.
الراشد لم يتخرج في كلية الإعلام، لكنه خَبر وأبدع في كل فنون الصحافة، وأصدر في ذروة الحصار مجموعته الشعرية الوحيدة (نزق) بطريقة الاستنساخ التقليدية. أما نصيف الناصري فيمكنكم الذهاب لصفحته في الفيسبوك وستجدون الإجابة كلها، وبحسب ما أبلغني أن الشاعر الكبير (أدونيس) سيقدم له مجموعته الشعرية الجديدة ضمن سلسلة إصدارات انتخبها أدونيس نفسه .
طوبى لمن لا يجد مجده الإبداعي في ألقاب زائدة زائلة باتت موقع اهتمام الباحثين عن الجاه و(الكشخة) الفيسبوكية .