مدحت فاطيما
ترجمة: مي اسماعيل
لم يبرز تغيُّر المناخ كقضيَّة سياسيَّة ساخنة في الهند؛ رغم أن نحو ثمانين بالمئة من السكان يعيشون في مناطق معرضة لخطر كوارث ناجمة عن أزمة المناخ. فحينما فاضت مياه نهر يامونا (الذي يمر عبر منطقة العاصمة) وتجاوزت ضفافه، وجدت مدينة نيودلهي نفسها مغمورة وسط مياه الفيضانات لتعيش حالة طوارئ نادرة. في قمة الأزمة كان لزاما أن يجري إخلاء «باجواتي ديفي»؛ التي تديرُ مزرعة خضراواتٍ صغيرة ضمن السهول المنخفضة التي يجري فيها نهر يامونا على مشارف نيودلهي إلى أراضٍ أكثر ارتفاعا فوق مستوى مياه الفيضان. تقول ديفي: «قضينا الليل بأكمله ونحن عالقون على قمة شجرة قبل أن يجري إخلاؤنا من المكان». ثم أمضت ديفي الأسابيع التالية تحت ظروف مزرية؛ إذ اتخذت من الرصيف على الطريق السريع الذي يمر بالعاصمة مأوى لها بعدما جرفت مياه الفيضانات كوخها والكثير من ممتلكاتها.
وتعسرت معيشة ديفي على امتداد الأشهر التالية بعدما فسدت مزروعاتها بسبب مضاعفات ما جرفته مياه الفيضان. ألقى خبراء البيئة اللوم على الأمطار الغزيرة التي هطلت على ولايات الهند الشمالية، اضافة إلى سوء التخطيط الحضري؛ مما تسبب بفيضان العاصمة نيودلهي. ويقول هؤلاء الخبراء إن تغير المناخ يزيد من وتيرة وشدة الفيضانات والانهيارات الأرضية خلال فصل الرياح الموسمية المتقلبة التي تتعرض لها الهند.
عندما جرت الانتخابات الوطنية مؤخرا في الهند أدلت ديفي بصوتها في تلك الانتخابات. ولإنها غير مدركة لظاهرة تغير المناخ العلمية، التي تعيث فسادا بمجريات حياتها اليومية؛ فإن ذلك لم يؤثر على تصويتها. لكن حالة ديفي ليست هي المنفردة بين جموع الناخبين الهنود؛ إذ تشير الأدلة المتناقلة إلى أن قضية تغير المناخ نادرا ما تتسرب إلى السياسة الانتخابية في الهند.
توضيح الرؤية
يرى المراقبون أن الحديث حول تغير المناخ ليس غائبا فعليا في الهند؛ لكنه مختلف فقط.. يقول «أديتيا فالياثان بيلاي» زميل منظمة «المستقبل المستدام التعاونية» المستقلة لأبحاث تغير المناخ ومقرها نيودلهي: «لا يجري تصنيف سياسة مواجهة تغير المناخ في الهند بدقة على أنها «تغير المناخ»؛ لكن ذلك لا يعني أن تغير المناخ لا يضع شكلا مُعَيّنا للسياسة الهندية. وهو ما يوضحه بالقول أن أغلب السياسات المتمحورة حول تغير المناخ تُتَرجَم بإتجاه البحث عن حلول لمعالجة تبعات تغيُّر المناخ؛ وهو أمرٌ يمكن رؤيته إذا لاحظنا توجُّه التعبئة حول الري، وعدم امكانية الوصول إلى المياه، والمطالبات بالإعفاء من القروض الزراعية وما إلى ذلك.. ومضى قائلا: «ترتبط العديد من الوعود الانتخابية بالمناخ في بيانات الأحزاب؛ ولكنها لا تندرج ضمن الفصول المتعلقة بالمناخ».
تشرح «آرتي كوشلا»، مُؤسِسَة مبادرة «اتجاهات المناخ» الاستشارية الهندية البحثية؛ أن تغيُّر المناخ بحد ذاته لا يمثل بالنسبة للعديد من الناس المشكلة على الإطلاق؛ ولكنه يصبح مشكلة عندما يجعل المشكلات الأخرى أكثر وضوحاً؛ قائلة: «لا زلنا نعتقد أن سياسات المناخ توجد فقط حينما يكون هناك «حزب للخُضُر» كما هو الحال مع الغرب، أو حينما يجري استخدام المصطلح الدقيق لما يعرف «تغير المناخ» عبر البيانات المنشورة. لكنني لا أعتقد أنه سيجري الحديث عن تغيرُّ المناخ بهذا الاسلوب في الهند خلال وقتقريب».
المعرفة بالمناخ
يرى المراقبون أن الوعي بخصوص أزمة المناخ يتنامى في الهند. يقول نحو تسعة بالمئة فقط من الهنود أنهم يعرفون.. «الكثير» عن الاحتباس الحراري؛ ولكنهم عندما حصلوا على تعريف بسيط لتلك الظاهرة العالمية، قال 84 بالمئة منهم إنها تحدث بالفعل؛ وفقا لنتائج استطلاع أجري خلال العام 2022. كما نقلت الدراسة أيضا أن نحو 81 بالمئة من الهنود يشعرون.. «بقلق شديد» بشأن الاحتباس الحراري العالمي. تمضي آرتي قائلة: «اعتقد ان الناس أكثر وعيا بالأمر مما نظن نحن». ولكن على الرغم من القلق المتزايد؛ لم تصبح أزمة المناخ بعد قضية رئيسية في السياسة الانتخابية الأخيرة لعموم الاحزاب الهندية. حتى إن البرلمان الهندي، يشهد تجاهُلا للخطاب حول تغير المناخ إلى حد كبير. وكشفت دراسة العام 2022 أنه خلال فترة الأعوام 1999-2019 لم تتجاوز نسبة الأسئلة المطروحة من قبل السياسيين حول تغيُر المناخ حدود الثلاثة بالمئة. يقول «راجيف جودا» الذي كان مرشحا عن حزب المؤتمر الهندي في مدينة بنغالورو الواقعة جنوب الهند؛ والتي تعاني من أزمة مياه مزمنة: «لا يعني الحديث حول التغير المناخي شيئا بالنسبة للجمهور ما لم يكن هناك موضوعٌ مُحرّك». أما آرتي فتقول: «لعلنا في الواقع نقوم بإحباط الكثير من الناس عندما نتحدث عن الموضوع ونقول إنه تغير المناخ..». ومضت قائلة إنه إذا جرى تقديم أزمة المناخ على شكل أحداث أكثر وضوحا في الحياة اليومية؛ فيمكننا أن نجعل المزيد من الناس
يفهمونه.
أما بالنسبة لديفي، ورغم أنها قد لا تعرف المعنى الحقيقي للتغير المناخي؛ لكن تبعاته لم تمر دون ملاحظتها؛ إذ تقول: « فيما مضى كان إنتاج المحاصيل أعلى بكثير، وكان بإمكاننا الحصول على المياه الصالحة للشرب مباشرة من المضخات اليدوية؛ لكننا نعتمد الآن على صهاريج المياه».
موقع «دويتشه فيلله» الألماني