أكاذيب تاريخيَّة آمن بها الجميع

بانوراما 2024/08/15
...

 جون ستيل
 ترجمة: شيماء ميران


غالبا ما يكون الحد الفاصل بين الحقيقة والخيال في عالم التاريخ غير واضح، ما يؤدي إلى ظهور كثير من المفاهيم المغلوطة والتي يتم قبولها كحقيقة وعلى نطاق واسع. من بينها، هناك العديد من الاساطير التاريخية التي يؤمن بها الجميع وتتناقلها الاجيال، فتزداد مصداقيتها كلما اُعيد سردها. جمعت هذه الاساطير ما بين التي تبدو تافهة وتلك التي شكلت مفهومنا عن الماضي بنحو كبير. وهذا دليل واضح على قوة رواية القصص وتأثيرها على ادراكنا للأحداث التاريخيّة.
فعلى سبيل المثال دائما ما يُذكر في الكتب المدرسية ووسائل الإعلام وتصريحات الشخصّيات المرموقة والمهمة أن سور الصين العظيم يمكن رؤيته من الفضاء، مع أن رواد ووكالات الفضاء يؤكدون بأن ذلك ليس صحيحا. وعلى الرغم من امتداد سور الصين بطول يصل إلى أكثر من 21 ألف كيلومتر على الأرض، لكنه يندمج مع التضاريس الطبيعية عند النظر اليه من المدار، علما أنه من الآثار المثيرة للاعجاب ويمتاز بأهميته التاريخيّة. لكنه تتضاءل امكانية رؤيته باختلاف الظروف الجوية كونه في الحقيقة تم انشاؤه من مواد مشابهة للمناطق والبيئة المحيطة به من ناحية اللون.

طول نابليون وحقيقة السحرة
يُذكر أن طول قامة القائد الفرنسي المشهور «نابليون بونابرت» كان (خمسة اقدام وبوصتين) وفق وحدات القياس الفرنسية، لكن حسب وحدات القياس البريطانية المستخدمة اليوم في معظم الدول الناطقة بالانكليزية فإن طوله (خمس اقدام وسبع بوصات).
توافق سوء الفهم هذا مع استمرار الدعاية البريطانية بشأن قصر قامة «نابليون»، والتي كانت تهدف إلى التقليل من شأنه حقيقيا ومجازيا. وفي الحقيقة، أن طول «نابليون» كان اعتياديا بين معاصريه، وعلى هذا تنتفي حقيقة فكرة أن قامته الجسدية كانت خارجة عن المألوف.
 أما حقيقة حرق الساحرات المتأصلة في الذاكرة الجماعية الأميركية لأسطورة الحرق فمن المهم وضع الامر في نصابه الصحيح، خاصة مع وصف أن الساحرة يجري صلبها على الوتد لغرض القيام بحرقها لأنها كانت هي الطريقة الشائعة في التاريخ الاوروبي لإعدام المتهمين بالسحر في مدينة سالم. فقد كانت محاكمات السحرة في مدينة سالم عبارة عن سلسلة من جلسات الاستماع والمحاكمات للأشخاص المتهمين بممارسة السحر التي أجرتها محكمة ولاية ماساتشوستس الاستعمارية خلال فترة شباط 1692 ومايس 1693. ووجهت الإتهام لأكثر من 200 شخص، وأُدين ثلاثون منهم بتهمة السحر، فيما تم الإعدام لتسعة عشر منهم شنقاً.
ومدينة سالم تقع على الساحل الشمالي لولاية ماساتشوستس شمال بوسطن. وأخذت الشهرة بمحاكمات السحرة التي جرت اواخر القرن السابع عشر، والتي تم خلالها إعدام العديد من السكان المحليين بتهمة ممارسة السحر. تشمل معالم هذه المنطقة «بيت الساحرة»، وهو المنزل السابق لقاضي المحاكمة. كما يضم متحف بيبودي إسيكس مجموعة ضخمة من الأعمال الفنية والتحف العالمية، بما في ذلك منزل صيني أعيد بناؤه من عصر تشينغ.
عدا ذلك فقد كان المتهم الوحيد هو «جايلز كوري»، وهو مزارع ولص انكليزي تم إتهامه بالسحر مع زوجته، كما إنه واجه مصيرا مختلفا عن الشنق، إذ وُضعت صخرة ثقيلة على صدره للضغط على جسده حتى الموت لانه رفض تقديم التماس. وهذا التصحيح هو بمثابة تذكير لنا عن اهمية التدقيق في القصص الموروثة عبر الاجيال، ولضمان ان نعتمد على الحقيقة بدلا من الاساطير التي حددت فهمنا للتاريخ.

قرون الفايكنغ
لقد حفرت وسائل الإعلام والأعمال الأدبية المختلفة في مخيلتنا وبنحو واضح صور الفاكينغ وهم يرتدون خوذا ذات قرون، حتى يكاد من المستحيل ان نتصور هؤلاء المستكشفين الاسكندنافيين من دون تحسس صورة خوذهم المشهورة الموضوعة على رؤوسهم.
مع أن الحقيقة تبتعد كثيرا عن هذه الصورة الشائعة، إذ تُشير الادلة التاريخية ومنها القطع الاثرية والروايات التي تعود إلى عصر الفايكنغ إلى أن هؤلاء المحاربين لم يرتدوا خوذا ذات قرون لا في معركة ولا في حياتهم اليومية.

من اكتشف أميركا
كما تتضح حقيقة عالم الأساطير عندما نجري مناقشة حول اكتشاف القارتين الاميركيتين، حيث يطفو على السطح السرد الشائع بأن «كريستوفر كولومبس» كان هو الأول من بين المستكشفين الأوروبيين الذي وطأت أقدامه أرض العالم الجديد. وتم تثبيت هذه الرواية في الكتب المدرسية كحقيقة راسخة لتتغلغل بعدها إلى الثقافة الشعبيَّة وبالتي يتقبلها كثيرون بوصفها أمرا واقعا لا شك فيه.
غير إن الأدلة التاريخية تُشير إلى أن المستكشفين الاسكندنافيين تحت قيادة «لييف اريكسون» كانوا هم الأوائل الذين وصلوا إلى اميركا الشمالية مع بداية الألفية الثانية (بعد العام 1000 ميلادي)، أي قبل خمسة قرون تقريبا من رحلة «كولومبس» التي انطلقت في العام 1492.

ماري انطوانيت والبسكويت
تبرز حكاية عبارة «ماري انطوانيت» (دعهم يأكلون البسكويت) سيئة السمعة، كونها قطعة خالدة خاصة من الفولكلور الفرنسي. إذ إنه وعلى الرغم من استخدام هذه الحكاية مرارا وتكرارا لتوضيح القسوة والانفصال المفترض عن واقع الطبقة الارستقراطية عشية الثورة الفرنسية، لكن المؤرخين لم يجدوا اي دليل على نطق الملكة الفرنسية المعدومة لهذه الكلمات اطلاقا.
والحقيقة أن أول نقل لهذه العبارة كان قد ظهر في كتاب السّيرة الذاتية للكاتب الفرنسي الشهير «اعترافات جان جاك روسو»، الذي كتبه عن طفولة الملكة «ماري انطوانيت» وقبل فترة طويلة من الأزمة المالية التي عجلّت بالثورة في فرنسا. ما يُشير إلى أن الاسناد على أحسن تقدير لا يتناسب مع العصر، وفي أسوأ الاحوال ملفق بالكامل.
عن ذا فينتج نيوز