من تراتيل {المصبتا»

ثقافة شعبية 2019/06/17
...

باسم عبد الحميد حمودي
 المندائيّون في العراق اليوم، هم معتنقو ديانة الدين الثالث في العراق بعد  المسلمين والمسيحيين، وديانتهم من أقدم الديانات الموحدة في تاريخ الاديان، هم من احناف الجزيرة العربية قبيل ظهور الاسلام ومن اقطابهم (ورقة بن نوفل) و (سلمان الفارسي) قبيل
 اسلامه.
وينتشر المندائيون العراقيون اليوم في العراق حول نهر دجلة، في مدن بغداد والعمارة والبصرة والبلدات المجاورة للانهر، والبعض منهم يسكن الضفة الشرقية من شط العرب، لكن عددهم في العراق تناقص من مليون الى مئة ألف بسبب الهجرة والانتشار في بقاع الارض، رغم حبهم لوطنهم 
وايمانهم به.
يؤمن المندائيون بنبوة (يحيى) عليه السلام وآبائه بدءاً من آدم وابراهيم الخليل عليهما السلام.
هاجر الصابئة المندائيون، في أحد الآراء من فلسطين في القرن الاول الميلادي الى العراق وايران بعد اضطهاد اليهود لهم، إذ وجدوا الامان لعبادتهم المرتبطة بالمياه الجارية، إذ يقومون بـ (الارتماس)، وهو واحد من ممارساتهم الدينية في الاعياد والمناسبات، في الولادة والزواج والوفاة اي ما يسميه علم الفولكلور بـ (دورة الحياة)، ويعد المندائيون الماء ضرورة دينية لانهم يرتمسون به، فضلا عن كونه ضرورة حياتية.
    كتاب المندائيين الاساسي هو كتاب الكنز العظيم (الكنزا ربا) أو كنز الرب، لكن لهم كتب اخرى  للترتيل والتعبّد وتأدية الطقوس الدينية ومنها-كما جاء في كتاب رشيد الخيون في الاديان والمذاهب- كتاب الانفس (سيدرة أدنشماته) وكتاب (النياني) وهو كتاب ترتيل وإنشاد، وكتاب (القلستا) أي أصول الزواج، وكتاب (ترسو الف سيالة) ويعني العنوان (أثنا عشر الف سؤال) فضلا عن كتاب (تعاليم يحيى) الذي جمع داخل الكنزا ربا، مع كتب
 أخرى .
حبر الكتابة المندائي
يكتب كهنة الديانة المندائية كتبهم المقدّسة باللغة الآرامية وبحبر خاص ومقدس، قبيل أن تقوم المطبعة الحديثة برسمه وتكوينه طباعيا.
وللأهمية أقول إنّ رجال الدين المندائيين كانوا لايسمحون لسواهم بالاطلاع على النصوص المندائية المدوّنة بحبر مندائي يسمى (ديوثا).
ولكل كاهن حبره الخاص الذي  يحفظ على  شكل بلورات تذاب في الماء عن البدء بالكتابة كما يذكر سليم برنجي في كتابه (الصابئة المندائيون).
وطريق تحضير الحبر المقدس تتم بمزج الغراء الخاص بماء النهر ويترك الى أن يذوب فيه، ثم يغلى المزيج الى درجة التبخر مدة ستة ايام ويقوم الكاهن بعد هذا بسحق المزيج وخلطه بمسحوق الفحم بنسبة مثقال  واحد من الفحم الى خمسة وعشرين مثقالا من الغراء، لمدة 4-5 أيام، وبعد أن يصبح المزيج عجينة يغلى مرة اخرى ليتحول الى بلورات 
بعد التبخر.
وعند استخدام حبر الكتابة المقدس يتلى عليه دعاء (أسوثة – ملكه  اي صلاة التسليم).
 
من تراتيل المصبتا
لايكون المندائي مندائيا الا اذا عمد بالماء وفق اصول وتراتيل خاصة، والتعميد هو (المصبتا) باللغة المندائية –الآرامية، ويتم بقراءة نصوص من كتاب الانفس (سيدرة أدنشماتا) وعلى الكاهن القيام بالتعميد الذي يتكون من ثلاث غطسات في الماء الجاري، وثلاثة ارتماسات لجبهة المتعمد بالماء مع تفاصيل أخرى.
وللمصبتا – التعميد، انواع، انفرادية وعامة، تختص بالكهنة أو بأفراد الديانة، ولكل حالة طقسها الديني الخاص وتراتيلها، لكننا هنا نستعين بالتراتيل الواردة في كتاب (التعميد المندائي) الذي ترجمه عن المندائية الشيخ رافد الشيخ عبد الله الشيخ نجم لما فيها من نفحات روحية شعرية تستثير القارئ العام.
   نص لتطهير النفس
أنت أتيت، أنت اتيت وليس غيرك يأتي أحد
وبنورك يشعر الفرسان بالخوف
وبضيائك تتخلل الممالك والبوابات
ومن رؤيتك يغير الماء الجاري مجراه
وترجع امواج البحر
وجزر البحر تلقى الاضطراب
وينشق أرز لبنان
وتهتز الجبال وتقفز مثل قفزات
 الأيل
 
****
عندما رفعت روح الشر (روها) صوتها
وصرخت عاليا
لماذا خلقتني ياإلهي
لماذا جعلتني بعيدة وقطعتني وتركتني في اعماق الارض
الكل نهضوا وصلوا
وغنت اصواتهم للبهاء الواسع
والضياء الذي يفوق كل الاضواء
اخذني وعمدني بالماء الجاري
باسم الحي
ماالذي فعله أبوك من أجلك أيها
 الانسان
في اليوم العظيم الذي به ولدت؟
أخذني وعمّدني بالماء الجاري
وصعد الى الشاطئ فقومني
كسر الخبز المقدّس (بهثا) وأعطاني
ووضعني بين ركبتيه
ونطق عليَّ اسم الحي العظيم
وتسلّق الجبل أمامي
ناداني بصوت عال كي أسمعه
قال
إذا كانت لديك قوة أيّها الانسان فتعال
رفعت عيني الى السماء وتطلّعت الى دار الحياة الابديّة
وتسلّقت الجبل وما وقعت
وأتيت فوجدت حقيقة ذاتي.
إنّ نصوص التعميد المندائية غنية بالعاطفة والخوف والحب والدعوة الى النقاء والسعي الى طمأنينة العالم الذي تحرسه الروح الالهيّة السامية.