نزار علي بدر.. النحتُ في جوانب التعبير الإنساني

ثقافة 2024/08/18
...

 خضير الزيدي 


يبتكر الفنان السوري نزار علي بدر، صناعة فن يصعب العثور على شبيه له، ويعود ذلك لمراتب جمالية تخضع لأكثر من معيار في عوالم الفن، فقد قدم عشرات الأعمال التعبيرية من الحصى المتناثر في مساحات لونية وطابع تعبيري لافت، وكانت حجارة جبل صافون المادة الرئيسة التي استخدمها هذا النحات، فهي دعامة له، عدّها منفذاً واستلهاماً، وعثر على مبتغاه من خلال هذه المادة التي رافقت منجزه الفني. 

ويبدو أن طاقته في النحت وتشكيل أعمال فنية بطريقة رصها بشكل تعبيري دقيق، وفرت له الاحتفاظ بلعبة التركيب التي تخصه دون غيره من النحاتين، فهو يخاطب الجميع ويصنع فناً تأملياً، يمكن أن يكون التدفق العاطفي مسرى لرؤيته ومواضيعه.

النحات يقترب من التشخيصية، ليجعل المتلقي لأعماله يفهم الرسالة ويكتشف أبعاد قيم الفن وما تجلبه من نضارة وطروحات معرفية، وقد كتب للفنان أن يجاري تربة سوريا، وينقب لوحده عن مادة خام يصنع من خلالها منجزاته، بفعل توهج خياله وإضاءة مبتغاه. وقد نكون منصفين لفنه إذا قلنا بأننا لا نجد نوازع الغربة والتناقض في ما يقدمه، بل هناك وعي ومساحة تحرك تجريبي يقدمه لنا كي نفهم ما يبتغيه من حقيقة جراء ما يتمثل في أعماله. نعم لهذا الفنان القدرة على استلهام حجارة صافون، وفرض مبررات استخدامه علينا، فهو ينتمي لحضارة وتاريخ عريق عاشته سوريا منذ مئات السنين، فلا غرابة أن نجد انتماء وهوية ووعياً، تجرنا لإنجازه وإدراكه الثقافي، إذ لا يمكن أن نعد فنه غريباً على ذائقتنا بعد أن عرفنا قدرة خياله وتوليد حساسية فنه جراء ما يبحث عنه من مدلول تعبيري، يخص الجوع والحرمان والانتماء للوطن، وأسباب الهجرة القسرية لشعب عانى الويلات. علينا الاعتراف نحن أمام خطاب شاخص ووعي يرفض المحتل، وله حاجة في إثبات هويته الحقيقية بعد صراع طائفي أو قومي. 

هذا النحات لم يترك مساحة من التجريب مع الحصى إلا ووفر لنا فيها قاعدة جمالية متميزة، ليس لأنه نحات بارز استخدم حجر البازلت أو المرمر أو العيدان، لينجز لنا وجوهاً حية بتعبيرية صادقة، بل لأن قواه الإبداعية وصياغته لأعمال تحاكي الواقع فرضت نوعاً من الدهشة والمهابة على عمله الفني. فكيف نقرأ تلك النماذج من الأشكال التي يكونها ويأخذ لها صورة ثم يهدها لتعود لطبيعتها الأولى، وكيف يضع حداً لطغيان المخيلة، ونزعة الفن المثالية وهو يعيد علاقة الحصى في لحظة تضرع، لتكون الوضع الأمثل لفنه وقضيته؟.

ينسحب الفن وينتصر غالباً لقضاياه الإنسانية وهو خلاصة ذكية من قبل الفنانين لانتصار إرادتهم وبيان موقفهم، وبما أن رسالة الفن عند بدر لم تذهب بعيداً عن هذا التوصيف، فقد أولى لتكويناته التنقل بين شواهد جمالية وتعبيرية تتماهى مع قصص الإنسان السوري، سواء جاءت عبر الهجرة أو التشرد والاقتتال أو الرعب من المجهول، المهم أن يتلاقى بيان رؤية الفنان مع استحقاق الحوار مع الفن وفرضيات الأشكال حيث الجمال والسياق المفسر للبعد النظري. وأعتقد أن الفنان له مرجعيات جمالية، غالباً ما تستدعي موضوعة الجسد/ الإنسان قيمة لدلالتها وموضوعها، فهو بنزعته الأسلوبية وتحولات أشكاله وتعدد المشاهد المستوحاة من الواقع استطاع أن يضمن بعداً تأويلياً له مقاصد وعلاقات مباشرة مع الواقع والحياة اليومية، ولكن المختلف هنا أنه يجمع العديد من الحصى المتناثرة ليكون منها مشهداً فنياً، يدل علينا بكل صلابة، تفاصيل الجسد والوجوه المتعطشة لرؤية الحرية 

والسلام.