دلغر إيردينيسانا
ترجمة: أنيس الصفار
عندما اجتاحت موجات الحر اجزاء واسعة من كوكبنا في الصيف الماضي بدا جلياً أن درجات الحرارة القاهرة صارت تميل لإطالة المكوث أكثر في العديد من الأماكن لفترات قد تمتد أياماً أو حتى أسابيعاً في كل مرة. فمع تصاعد سخونة كوكب الأرض بفعل التغير المناخي ازدادت موجات الحر بطئاً وتثاقلا وصارت تطيل البقاء لفترات اطول، بحسب دراسة نشرت مؤخرا.
توصلت الدراسة ايضاً الى ان سرعة زحف موجات الحر، تحت دفع دورة الهواء، مستمرة بالتباطؤ بمعدل 8 كيلومترات في اليوم لكل عقد من السنين طيلة الفترة ما بين عامي 1979 و2020. كذلك صارت موجات الحر اليوم تجثم لفترات أطول من المتوسط المعتاد بنحو أربعة ايام.
يقول عالم المناخ “وي شانغ” من جامعة ولاية يوتاه وأحد المشاركين في الدراسة: “ذلك كله كانت له انعكاسات شديدة الوقع حقاً على الصحة العامة.” لأن موجات الحر كلما أطالت مكوثها في موقع معين تطاولت معها فترة تعرض الناس هناك لدرجات حرارة تهدد حياتهم بالخطر. ومع تباطؤ اداء العاملين خلال فترات اشتداد الحر ستتراجع ايضاً الانتاجية الاقتصادية. كذلك فأن موجات الحر تسبب جفاف التربة والنبت الخضري، مؤديا لتضرر المحاصيل وازدياد خطر حرائق الاحراش. يقول الدكتور شانغ ان هذه التغيرات في سلوك موجات الحر غدت أكثر إلفاتاً للنظر منذ اواخر تسعينات القرن الماضي، وهو يعزوها بدرجة كبيرة الى التغيرات المناخية التي أحدثها الانسان، ولو ان تقلبات المناخ الطبيعية كان لها دورها ايضاً. أما الدكتورة “راشيل وايت”، المتخصصة بدراسة الغلاف الجوي من جامعة كولومبيا البريطانية، فتقول انها كانت تأمل برؤية مثل هذا البحث ذات يوم، “فنحن نعلم ان تغير المناخ يزيد موجات الحر قسوة، بيد أن هذه الدراسة تساعدنا بالفعل على فهم المزيد عن كيفية حدوث ذلك.”
موجة الحرّ وتغير سلوكها
عمل الدكتور شانغ وزملاؤه على تحليل بيانات درجات الحرارة في انحاء مختلفة من العالم للفترة بين عامي 1979 و2020، وقد عرّفوا “موجات الحرّ” بأنها: مناطق متجاورة يصل مجموع مساحاتها الكلي الى مليون كيلومتر مربع او اكثر من ذلك ترتفع فيها درجة الحرارة الى نحو 95 بالمئة على الأقل مقارنة بأقصى درجة حرارة محلية مسجلة تاريخياً لتلك المناطق (ما يقصد بالمناطق أساساً هو “كتل هوائية هائلة مرتفعة الحرارة الى ما فوق الحدود المعتادة”). كذلك يجب ان تدوم موجة الحر لمدة ثلاثة أيام فأكثر كي ينطبق عليها التعريف. بعد ذلك قاس الباحثون المسافة التي قطعتها كتل الهواء العملاقة تلك مع مرور الوقت لحساب سرعة انتقالها.
على مدى سنوات الدراسة أبدت موجات الحر تباطؤاً بحدود 8 كيلومترات في اليوم لكل عقد من الزمن. كذلك استطال متوسط عمر موجات الحر، حيث صارت الموجة منها تدوم لمدة 12 يوماً في المتوسط خلال الفترة 2016 الى 2020 مقارنة مع 8 أيام خلال الفترة 1979 الى 1983. موجات الحر الأطول عمراً هذه صارت تنتقل الى مسافات أبعد، وبذلك ازدادت مسافات ترحالها بنحو 226 كيلومتراً لكل عقد من الزمن. وجد الباحثون ايضاً ان موجات الحر أصبحت اكثر تكراراً، حيث بلغ المتوسط 98 مرة سنوياً ما بين عامي 2016 و2020 بعد ان كانت بحدود 75 مرة سنوياً ما بين عامي 1979 الى 1983.هنالك ايضاً بعض التفاوتات المناطقية، حيث تمكث موجات الحر فترات اطول في مناطق أوراسيا وأميركا الشمالية خصوصاً، كما انها تقطع مسافات ابعد في مناطق أميركا الجنوبية.
ولأجل تحري دور التغير المناخي استعان الباحثون بنماذج تحاكي درجات الحرارة عبر سيناريوهات تضمنت ارتفاع الحرارة بفعل انبعاثات غازات الدفيئة التي مصدرها الانسان تارة، وبدونها تارة اخرى فتوصلوا من ذلك الى ان السيناريو الذي تضمن هذه الانبعاثات قد جاء أكثر تطابقاً مع ما يحدث فعلياً من سلوك موجات الحر، وهذا يشير الى ان التغير المناخي يمثل قوة اساسية وراء حدوث هذه الانماط. بدأ العلماء يتحسسون وجود نسق اكبر من دورات الهواء والرياح في أعالي الغلاف الجوي كما لو أن تيارات الهبوب أخذت تضعف، خلال فصل الصيف على الأقل وعند خطوط العرض العليا في نصف الكرة الشمالي، وهذا من شأنه التسبب ببطء حركة الظواهر الجوية متطرفة الشدة من جميع الأنواع وبقائها جاثمة لفترات تتجاوز الحدود المرحب بها.
يقول “ستيفن فافروس” المتخصص بالمناخ: “يبدو من المنطقي ان يسفر ذلك عن تباطؤ سرعة تحرك موجات الحر.”توصلت الدراسة الجديدة الى وجود علاقة متبادلة بين تراجع قوة تيارات الهبوب وتباطؤ حركة موجات الحر، أما الدكتورة وايت فتعتقد ان هناك حاجة لمزيد من الابحاث لتحديد ما اذا كانت تيارات الهبوب هي السبب حقاً.لكن أياً تكن بالضبط الاسباب الكامنة وراء تباطؤ الحركة فإن آثارها الضارة باقية.يقول الدكتور فافروس: “يبدو الأمر كما لو أن هناك عددا من العوامل قد تآمرت مع بعضها. فحين تزداد موجات الحر تكراراً وشدة وتلبث لفترات أطول وتشمل مناطق أوسع يزيد ذلك قلقنا بشأن الاثار التي ستترتب على ذلك.”
القلق على المدن
يشعر الدكتور شانغ بقلق خاص حيال المدن، التي غالباً ما تكون أشدّ سخونة من المناطق المحيطة بها بسبب ما يطلق عليه “تأثير جزر الحر الحضرية”. يقول شانغ: “اذا ما جثمت موجات الحر تلك على المدن لفترات اطول كثيراً مما سبق فسوف تؤدي الى وضع خطير للغاية.”الى جانب أبحاثه الجوية يساعد الدكتور شانغ في الجهود المحلية لغرس مزيد من الاشجار والمساحات المعشبة حول مواقف انتظار الحافلات في مدينة “سولت ليك”، حيث يضطر الناس للانتظار تحت قسوة الشمس خلال مواسم الصيف التي تتزايد سخونتها. يقترح شانغ ان تعمل المدن على إنشاء مزيد من مراكز التبريد لمن لا مأوى لهم. ويعتقد ان هناك اشياء بوسع المجتمع القيام بها، فبينما نحن ننتظر من زعماء العالم ان يحققوا تقدماً في مسألة خفض انبعاثات غازات الدفيئة ووقف تغير المناخ عند حده يقول شانغ ان الجهود المحلية للتكيف لها هي الأخرى اهميتها في الحفاظ على سلامة الناس.
عن صحيفة “نيويورك تايمز”