سناء الوادي
قد يبدو هذا العنوان للكثيرين متداخلاً بعضَ الشَّيء، لا ضيرَ في ذلك إذ إنني قد أتيتُ على ذكر أربع دولٍ تتزعم الصراعات في العالم بالتواقت مع تصاعد الأحداث ودخولها منحنيات جديدة تنبئ باشتعالٍ جاد لفتيل الحرب العالمية الثالثة، بيدَ أنَّ غموض الربط بين هجوم أوكرانيا على كورسك ودهس الخطوط الحمراء للعقيدة الروسية، تزامناً مع توعُّد إيران لإسرائيل بالرَّد الذي سيعيد لها هيبة السيادة والردع أمام دول المنطقة.
ومن هنا سأغوص في أعماق العلاقات الاستراتيجية التي جمعت إسرائيل وروسيا «الاتحاد السوفياتي»، منذ بدايات القرن التاسع عشر، حيث كانت الأخيرة من أوائل المشجعين لهجرة اليهود الروس إلى أرض فلسطين وسهَّلت لهم تأسيس المنظمات الفاعلة في هذا المجال حتى وصل تعدادهم اليوم إلى مليون ناطق بالروسية يستوطنون إسرائيل، وبما أنه من الأسس المكونة لاستمرارية وجود أيَّ كيان استيطاني محتل ما هو إلا ديمومة الرفد بالمهاجرين إليه فبهذا لعبت دول الاتحاد السوفياتي دوراً محورياً في قيام دولة الاحتلال ونهضته الاقتصادية وتعزيز بنيته الثقافية.
وفي السياق ذاته كان الاعتراف السوفياتي بقيام دولة إسرائيل من العام 1948 ورغم تعرض العلاقة لعدة هزات تمثلت بعلاقة روسيا مع دول المنطقة، ناهيك عن رفضها للعنف الدموي الممارس على الفلسطينيين في أرضهم ووقوفها إلى جانب تطبيق الحل السياسي بقيام دولة فلسطين مجاورة لتل أبيب، بالرغم من اعترافها بالقدس الغربية كعاصمة لإسرائيل في العام 2018م.
وعليه فإن أقل ما يوصف به الدور الروسي في الشرق الأوسط بأنه دورٌ ملتبس ومزدوج المصلحة ففي حين أنَّ موسكو تجمعها علاقات وطيدة بسوريا وإيران وتسعى مؤخراً لتعميق الشراكات الاقتصادية والعسكرية مع دول الخليج العربي، إلا أنها ومن غير الممكن أن تغض الطرف عن كل ما يتعلق بتقويض قدرة وقوة إسرائيل، كيف لا وهي وانطلاقاً من مقومات تكنولوجية تميزت بها تل أبيب عن دول المنطقة تعتبر نقطة الانطلاق الروسي في الشرق الأوسط، وعليه قامت بين الجانبين الاتفاقات والشراكات بشأن استخراج الغاز المكتشف في شرق حوض البحر المتوسط إضافة إلى توريد الغاز الروسي إليها لتضاعف حجم الاستهلاك، فضلاً عن التعاون العسكري في مجال التصنيع والتطوير والتدريب، وهذا ما يتيح لها الاطلاع على حصيلة ما جمعه الخبراء الروس في المنطقة، ناهيك عن التعاون الأمني الاستخباراتي والذي لعب دوراً مهماً في التصدي لخطر الأصوليين الإسلاميين، ومن غير المعقول أن نغفل التعاون الكبير في مجال الفضاء وخدمات الإطلاق للأقمار الصناعية وللتنويه فقط ـ إسرائيل من الدول الثماني في نادي الفضاء الدولي ـ فكانت النتيجة تبادل تجاري بقيمة ملياري دولار سنوياً ما استدعى إلغاء تأشيرة السفر بين الجانبين في 2008.
ومن هذا يتوضح لنا القلق البالغ الذي انتاب إسرائيل عند الإعلان الروسي عن سحب قوات النخبة ومنظومات الدفاع اس 300 من سوريا، فقد كانت الضامن لها من عدم حدوث أي خلل في التوازنات مع إيران والتي تتواجد هي الأخرى على الأرض، بصفتها حليفاً للدولة السورية ولكيلا يتكرر كابوس حزب الله في سورية « حسب منطق التفكير الإسرائيلي».
في الواقع أنَّ سير الأحداث الآن يشير إلى وقوف موسكو في منطقة الحياد لن يدوم طويلاً، فالضغط الإيراني المتزايد عليها لحصولها على منظومة اس 400 المتطورة وتسليمها طائرة سوخوي «سو 35» استعداداً لحرب شاملة قد تحدث، من المنطقي أن يندرج ذلك تحت التعاملات العسكرية بين الجانبين، خاصة بعدما شكلت المسيرات الإيرانية فارقاً كبيراً في الحرب على أوكرانيا، وما نقلته وكالة رويترز عن مصدرين عسكريين من المخابرات الأوروبية بتلقي عسكريين روس تدريبات على صواريخ باليستية قريبة المدى» فتح 360 وأبابيل» والتي تعد من الصواريخ الإيرانية فائقة الدقة والموجهة بالأقمار الصناعية، وعليه فإن حضور السلاح الروسي في الرد الإيراني أو ما بعد سيكون امراً مقبولاً للجميع ما خلا إسرائيل، والتي كما أسلفت فإن حجم التعامل العسكري في التصنيع والتطوير لا يمنعها من محاولة الضغط على موسكو للامتناع عن تنفيذ العهود أو حتى المماطلة فيها.
وبالعودة خطفاً لعنوان المقال ندرك أن الهجوم على كورسك في هذه الفترة بالذات كان تحت أعين أمريكا وإسرائيل تشتيتاً لتركيز روسيا عن الشرق الأوسط، وتحجيم دورها في دعم حلفائها الإيرانيين والمقاومَة اللبنانية والفلسطينية، وإثبات هيمنة الردع الغربي أمام دول المنطقة.
وفي معرض ما يجري تذكرت ما قال هنري كيسنجر قبل أعوام بأن الشرق الأوسط ينتظر أحداثاً كبيرة ستكون بداية إشعال النيران من إيران، ولضرب قوة إيران لا بد من تحين فرصة انشغال روسيا والصين بأمورٍ أخرى وحدوث الانفجار الكبير، قبل أن يصحوا من غفوتهما، وبهذا فقط ستنتصر أمريكا وإسرائيل ـ ولهذا التنبؤ دلالات عديدة ومعانٍ عميقة ـ .
كاتبة وإعلامية سورية