التحوّلات الأمنيَّة والاجتماعيَّة تجفّف منابع الجريمة المنظمة
بغداد: نور نجاح عبد الله
في خطوة تبعث الأمل وتدعو للتفاؤل، أعلنت وزارة الداخلية، عن القاء القبض مؤخراً، على متهمين بقتل عائلة من ثمانية أفراد، في إحدى مناطق شرقي بغداد، وذلك بعد أقل من ساعة على ارتكاب الجريمة.
هذا الحدث، يؤشر، بحسب المراقبين، الى تطور لافت في أداء الأجهزة الأمنية، والاستجابة السريعة للحوادث وتعقب المجرمين، الأمر الذي أسهم في تراجع معدلات الجريمة المنظمة، قياساً بالأعوام السابقة، لتعكس سنوات من الجهود المتواصلة لمحاربة الفوضى واستعادة الاستقرار.
ووفقا للمتحدث الرسمي لوزارة الداخلية، العميد مقداد الموسوي، فان الوضع الأمني في عموم البلاد شهد تحسنا ملحوظا خلال العام 2024، مع تسجيل انخفاض كبير في معدلات الجرائم بمختلف أنواعها.
وأفاد الموسوي لـ"الصباح" بأن نسبة الانخفاض في الجرائم تراوحت بين 15 بالمئة إلى 20 بالمئة في العديد من المحافظات، ما يمثل تقدما واضحا في سياق مواجهة التحديات الأمنية، موضحا أن هذا الانخفاض يعد إنجازا مهما يعكس جهود وزارة الداخلية والقوات الأمنية في تعزيز الأمن والاستقرار.
كما بين أن استراتيجيات مكافحة الجريمة، بما في ذلك التعاون بين الأجهزة الأمنية والمجتمع، كان لها دور بارز في تحقيق هذا التحسن، مؤكدا أن الوزارة ستواصل العمل على تعزيز الأمن وفرض القانون، من خلال تطوير الخطط الأمنية ومواصلة التدريب وتوفير التقنيات الحديثة لمكافحة الجريمة.
التطور الأمني
مدير العلاقات والإعلام في قيادة شرطة الرصافة، العميد الحقوقي حسين علي مزهر، أفاد لـ"الصباح" بأن قيادة شرطة بغداد شهدت تطورا ملحوظا في العديد من المجالات خلال العام 2024، مما انعكس إيجابيا على انخفاض مستوى الجريمة في المنطقة. ووفقًا لتصريحات العميد مزهر، فإن هذا التحسن يرجع إلى عدة عوامل، أبرزها التطور في مستوى العمل الأمني والبنى التحتية، مما أسهم في تحسين الخدمات الأمنية وزيادة فعالية مكافحة الجريمة.
وأشار العميد مزهر إلى أن هناك تقدما على مستويين: الأول هو انخفاض ملحوظ في مستوى الجريمة، والثاني هو التحسين العمراني والبنى التحتية، حيث تم توسيع قواطع المسؤولية الأمنية، لتشمل مناطق جديدة وزيادة الكثافة السكانية في جانب الرصافة.
وفيما يتعلق بالابتكارات الأمنية، أشار مزهر إلى أن هذا العام شهد انطلاق التجربة الأولى لوزارة الداخلية، وهي برنامج "أتمتة الأوراق التحقيقية"، الذي بدأ العمل به تحت رعاية وزير الداخلية.
كما أضاف مزهر ان هذه الإجراءات والتحسينات في البنية التحتية والأمنية خطوة كبيرة نحو تعزيز قدرة جهاز الشرطة في بغداد على مكافحة الجريمة وتقديم خدمات أفضل للمواطنين، مما يساهم في تعزيز الاستقرار والأمن في المنطقة.
إشادةٌ بالجهود الأمنية
وأشاد مراقبون ومختصون بالشأن الأمني، بالتطور الملحوظ في عمل الأجهزة الأمنية. وقال الخبير الأمني فاضل أبو رغيف في تصريح لـ"الصباح"، إن انخفاض معدلات الجرائم في العراق يعود إلى مجموعة من الأسباب الجوهرية، من أبرزها الجهود الكبيرة المبذولة في مجال المعلوماتية والفنية لمكافحة الجريمة. وأوضح أن هذا النجاح تحقق بفضل الجهد المتواصل لمكافحة الجريمة المنظمة والجريمة الجنائية على حد سواء، إضافة إلى انتشار الكاميرات الأمنية بشكل دقيق في مختلف المناطق. كما أشار إلى الدور البارز الذي لعبته الإجراءات الخاصة بضبط حركة المركبات والسيارات، بما في ذلك تفاصيل دقيقة حولها، مما ساعد في تقليص الجرائم.
كما ذكر أبو رغيف أن حالة الوعي لدى المواطنين قد أسهمت هي الأخرى، وبشكل كبير في تقليص الجرائم، حيث أصبح المواطنون أكثر وعيا بعدم قبول أي نوع من الجرائم أو التهاون فيها. وأكد أن انخفاض "الدكة العشائرية" كان من أبرز نتائج تلك الجهود، وذلك بعد أن اعتبر القضاء هذه الظاهرة ضمن المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب. كما أشار إلى انخفاض ملحوظ في حالات الاختطاف، التي وصلت إلى مستويات قريبة من الصفر، قائلاً: "هنا أتحدث عن القاعدة وليس عن الاستثناءات". وأضاف أبو رغيف أن الجرائم الجنائية بشكل عام أصبحت تحت السيطرة، مع استمرار الكشف عن الجرائم بشكل سريع وفعّال، حيث لم تترك جرائم غير مكتشفة في معظم الحالات.
وفيما يتعلق بمكافحة الجريمة المنظمة، شدد أبو رغيف على أن الأجهزة الرقابية والفنية قد استخدمت التقنيات الحديثة بشكل كبير في ملاحقة المجرمين، ونجحت في إحباط العديد من العمليات الإجرامية عبر مئات العمليات الأمنية الدقيقة.
معالجة ظروف الجريمة
بدوره، أعرب المحلل الأمني والسياسي مخلد حازم عن رأيه في الوضع الأني، مشيرا إلى أن الجريمة دائما ما تبحث عن "الأرضية الخصبة" لنشأتها وانتشارها، مضيفا في حديثه لـ"الصباح"، أن الظروف التاريخية، التي مر بها العراق شكلت تلك الأرضية في بعض الفترات.
وأضاف حازم لـ"الصباح" أن جهاز الأمن العراقي شهد تحديات كبيرة في البداية، خاصة خلال الحروب التي خاضها ضد داعش والقاعدة، وهو ما أسهم في ضعف قدرات الأجهزة الأمنية في تلك الفترة. وبيّن أن هذا الضعف كان يشكل بيئة خصبة لعصابات الجريمة المنظمة للنشاط في البلاد.
لكن حازم أشار إلى أن الوضع الأمني شهد تحسنا كبيرا في السنوات الأخيرة، خاصة في بداية عام 2024، حيث أظهرت الإحصائيات انخفاضا واضحا في معدلات الجريمة. وقال إن هذا التحسن يعود إلى تطور جهاز الأمن بشكل ملحوظ، لا سيما في مجال آليات البحث والمراقبة، بما في ذلك استخدام كاميرات المراقبة الحديثة، وتقنيات تتبع الجرائم، وأدوات تقاطع المعلومات. وأكد أن هذا التحسن يعد إنجازا مهما يعكس تطور الجهاز الأمني في العراق.
كما شدد على أن الجرائم موجودة في كل زمان ومكان وفي جميع دول العالم، لكن النسب تختلف من دولة لأخرى، منوها بأن العراق بدأ يشهد "تحولات واضحة المعالم" على صعيد العمل الأمني. وأوضح أن وزارة الداخلية حققت نتائج ملموسة في هذا المجال من خلال استخدام التقنيات المتطورة والجهود المتواصلة للكشف عن الجرائم. وأضاف أن هذه التحولات أسفرت عن نجاحات ملموسة، لا سيما في مجال مكافحة الجريمة المنظمة، مثل الاتجار بالبشر والمخدرات، والسرقات، والعديد من الجرائم الأخرى.
وفي ختام تصريحاته، أكد مخلد حازم أن السيطرة على مفاصل الجريمة وتقليصها يعود بشكل رئيس إلى تحسين مصادر المعلومات، التي تعد أحد العوامل الأساسية لنجاح العمليات الأمنية. وقال إن المعلومات الدقيقة والمتقاطعة قد ساعدت في القبض على العديد من المتورطين في الأنشطة الإجرامية، وهو ما يعكس فعالية الإجراءات الأمنية المتبعة حالياً.
الأسباب الاجتماعية
تلعب الأسباب الاجتماعية دورا حيويا في تحفيز الأفراد على ارتكاب الجرائم، نتيجة ارتباطها بالظروف الاقتصادية والثقافية، والسياسية التي يعيشها الأفراد في المجتمع. وفي هذا الصدد، يوضح الباحث الاجتماعي ولي جليل الخفاجي أن الجريمة لا يمكن تفسيرها بعامل واحد فقط، بل هي نتاج مجموعة من العوامل المعقدة والمتداخلة. وأشار في حديثه لـ"الصباح" إلى أن هناك عدة عوامل تؤدي إلى ارتكاب الجرائم، منها العوامل الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والسياسية، إضافة إلى تأثير الإعلام الحديث.
وبحسب الخفاجي، فإن العوامل الاجتماعية غالبا ما تطغى على باقي العوامل في سياق الجريمة، حيث يعد التفكك الأسري والفقر والتهميش الاجتماعي من الأسباب الرئيسة، التي تدفع الأفراد إلى ارتكاب الجرائم. وأضاف أن أصدقاء السوء أيضا يلعبون دورا في تشجيع بعض الأفراد على الانخراط في الأنشطة الإجرامية، لكن السبب الأكبر والأكثر تأثيرا في الوقت الحالي، بحسب قوله، هو قضية الفقر والبطالة، موضحا إلى أن الإنسان، في ظل ظروف اقتصادية صعبة، قد يشعر بأنه مضطر لتلبية احتياجاته الأساسية مثل الطعام والمأوى والمشرب، وعندما لا يستطيع توفيرها بطرق قانونية، قد يلجأ إلى ارتكاب جرائم مثل السرقة وغيرها من الأنشطة غير المشروعة.