قراءة في تجربة كريم العراقي

ثقافة شعبية 2024/08/22
...

 سعد صاحب 

الوفاء كلمة مرتبطة بالأم بشكل مباشر ، فهي التي تحب باحساس مرهف ، وبرقة نادرة الوجود، وهي الصبورة بطريقة استثنائية بالتمام ، وهي النسيم البارد القادم من رياض الجنان . ومهما كان الابن جاحدا لا تكسر به أمام الآخرين.
وترى فيه رجل البيت في المستقبل القريب ، وحين يموت الاب تهون المصيبة بالبكاء والمواساة والتعازي ، وعندما تغادر الام الحياة ، فكل شيء يكون معتما بعين الصغير المشاكس ، وربما يتشرد من بعدها في الطرقات ، او ينام على أرصفة الشوارع ، او يستجدي الرغيف من الأفران ، او يطرق أبواب البيوت على الغرباء .( يا امي يا ام الوفه / يا طيب من الجنه / يا خيمه من حب ووفه / جمعتنه بالحب كلنه / تعلمت الصبر منچ ييمه / الهوه انتي الهوه ومحتاج اشمه ). 


لوحة إنسانية 

الأم أغلى من جميع المخلوقات ، وبالامكان هجر الحبيبة إلى فترة من الزمن ، ومقاطعة الاصدقاء مدة طويلة ، ومخاصمة الأقارب والصحاب والجيران ، ولا يمكن الخراب معها مهما كانت المشكلة، ووجودها خير وسلامة وأمان وفرح وسعادة ، وحينما يطول الفراق بينك وبينها ، تبقى تطالعك من أماكن عديدة، تخر ج اليك من شقوق الجدران ، ومن ثقوب الابواب المغلقة ، ومن شبابيك السجون الموصدة ، ومن مياه البحر تطلع مثل حورية تلوح بالمناديل ، ومن بين طيات القصائد ، فوجهها لوحة إنسانية مكتملة ، من الطيب والصبر والتجاعيد والخطوط والتحمل والزهد والعرفان.( يا أغلى واعز مخلوق عندي / يماي عيوني امي / گلبها البحر امي / سلامه وخير امي/ وجه يمطر محنه / گمر ونجوم چنه / تعرف تحمل هموم وما تعرف

المنه ). 


دار آمنة 

الأم لا تقدر بثمن ، وكنوز الذهب والفضة والأموال والخزائن ، لا تعادل دمعة واحدة تذرفها على غيابنا ، وهذا العالم بما فيه لا يساوي نظرة حب من عينيها الذابلتين ، إنها التربة الطاهرة والدار الآمنة المحروسة بالاولياء ، كانت تجوع وتزقنا الطعام ، كما تزق الحمامة أفراخها الصغار . ونحن باحضانها الدافئة كبرنا ، وشربنا من صدرها المعطاء ، حليب الشجاعة والمودة والاخلاص والتضحية والحنان ، فلا عجب اذا تنحني المحبة إليها ، وتقبل كفيها بتواضع ، والوطن المقدس يصلي بعينيها ، ويتوضأ للصلاة بما تساقط من دموع .( اكبرت يا يمه والايام تمشي / شفت ميعادل الام ثمن كلشي / يا يمه الشمس من تمشين تمشي / يتربه طاهره ودار / ربينه بحضنج زغار / المحبه تنحني وتبوس ايدج / ويصلي الوطن بعيونچ يجنه ). 


كلمات رقيقة 

ليس لي من حديث بين الناس سواك ، وكلما تذكرتك ابكي من ألم الفراق ، منفردا في الركن المعزول من المنزل القديم ، فالروح ملهوفة لرؤياك ، وخارت قواي من شدة الهجر البغيض ، وكلامي بين الاصدقاء عن طيبتك المفرطة حد الذهول ، وكيف تناديني باعذب الكلمات الرقيقة ، وكيف كنت تأخذيني برفق في طريق المدرسة الترابي المليء بالعثرات ، وانا اليوم اشعر بالتقصير امام بياض شعرك الطاهر ، فانت النهر العظيم ونحن ساقية صغيرة .( مبين الناس اسهر يا شمعتي / تصيرين الحديث الحلو انتي / وسولف لصدقائي شلون چنتي / تناديني حبيبي / ذخر لايام شيبي / شما وفينه ما نكدر نجازي / انتي النهر واحنه فروع منه ). 

الملحن القدير عباس جميل له تجربة ناجحة في تلحين أغنية ( غريبة من بعد عينج ييمه / محتاره بزماني ) وهذا ما دفع الشاعر كريم العراقي والمطرب سعدون جابر، أن يطرحا الفكرة عليه وتمت الموافقة، بعد نقاشات فنية مثمرة ، والحصيلة كانت توثيق واحدة من الأغاني العراقية المهمة ، المعبرة عن حب الأم وتضحيتها وصبرها وحنانها الذي بلا حدود .