اختراق شرف المهنة

آراء 2024/08/22
...

 نرمين المفتي 


لا أحاول مناقشة قانونية إجراء حوار صحفي، مرئي، مع متهم لم تنته محاكمته، بل وقبيل جلسة محاكمته بأيام، فطالما اعتقدت أن هكذا حوار غير مسموح به، ليس في العراق وحده، إنما في غالبية دول العالم إن لم يكن كلها تمنع هكذا حوارات ضمن كل وسائل الاعلام، المكتوبة والمسموعة والمرئية والإلكترونية، خاصة في القضايا المثيرة للجدل، كي لا يؤثر هكذا حوار في مجريات الجلسة المرتقبة سواء من خلال إثارة الرأي العام وبدوره قد يؤثر على المحكمة أو من خلال ارسال رسائل تهديد بفضح المتورطين معه والذين تخلوا عنه أو الذين قاموا بابتزازه وصولا إلى ما هو عليه. ولكن في العراق كل شيء ممكن طالما استمر الفساد، المالي والإداري والضمير، وطالما توجد ملفات فساد يحتفظ بها الفاسدون الكبار احدهم ضد الاخر، تُستخدم في الوقت المناسب، سواء للابتزاز أو لتمرير صفقة ما، ليست مالية دائما. إنما أحاول أن أشير إلى الابتزاز الإعلامي، الذي اصبح واضحا ولكن لم يجرؤ أي من الذين تم ابتزازهم من الاعلان عن اسماء المبتزين، مرة أخرى بسبب ملفات الفساد. بعد عرض الحوار مع المتهم بالقضية المعروفة ب (سرقة القرن)، أشار معد ومقدم برنامج على إحدى الفضائيات إلى المبالغـ التي دفعها المتهم نور زهير إلى عدد من الاعلاميين المبتزين، الذين ذكر أسماءهم وأقل مبلغ مدفوع كان 700 الف دولار، بل إن المتهم نفسه قال بأن (أحدهم) ذهب إلى بيته واستلم ٣ ملايين دولار! وهنا يحق للقراء ولي أن نتفاجأ سواء بمبلغ الابتزاز وبوجود ملايين الدولارات داخل بيته!. 

أصبح الوضع مقرفا، ولكن هكذا اصبح في العراق، فالأمريكان الذي (حرروه) واحتلوه وتركوا فيه قواعدهم، منحوا الانتهازيين ما يرونه افضل (حكمهم) وهي ( money talks)، اي ان المال يتحدث بمعنى أن للمال سلطة اقوى من أية سلطة اخرى. قطعا الابتزاز الإعلامي ليس حديثا وبدأ يظهر مع سنوات الحصار، ولكن ليس بمبالغ خيالية، خاصة أن وسائل الإعلام حينها كانت محدودة. الآن في العراق حوالي 60 فضائية تملك بعضها جهات مختلفة في غالبيتها مشاركة في الحكومة، بسبب المحاصصة المقيتة ويملك بعضها الاخر رجال أعمال ظهروا في غالبيتهم بعد 2003، فضلا على عشرات الصحف وإذاعات الإف إم ومواقع على الانترنت وصفحات على منصات المواقع الاجتماعي، وقطعا فإن الأكثر جذبا وتأثيرا هما البرامج الحوارية السياسية وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وتصادف مع عرض الحوار الاعلان عن اصدار محكمة تحقيق الكرخ المختصة بقضايا الارهاب امراً باعتقال شبكة من القصر الحكومي لمكتب رئيس الوزراء، تضم عددًا من الضباط والموظفين، كانت تمارس أعمالا عدة غير نظيفة، منها التنصت على هواتف عدد من النواب والسياسيين، لتسقيطهم أو ابتزازهم وهي ثاني شبكة، تضم مسؤولين وضباطا وكانت الاولى التي تم الاعلان عنها في وقت سابق. وعودة إلى الابتزاز الإعلامي والى تقرير نشره موقع (الحل نت)، اشارت فيه صحفية باسم مستعار وهو (تارة اسماعيل).     

ما عايشته خلال عملها لمدة عامين في وسيلة إعلامية معروفة، كانت إدارتها تحصل على الأموال من خلال الابتزاز، فبين الحين والآخر كان مديرها “يأمر بإجراء حملة إعلامية ضد شخصية سياسية ما، من أجل الضغط عليها لدفع مبلغ مالي معيّن، مقابل إيقاف الحملة”. وطبعا انتهاك شرف المهنة ليس بالابتزاز فقط، إنما بالإعلاميين الذين لأجل الأموال مرة أخرى يعملون مع الفاسدين لتلميع صورهم وإبعاد الشبهات عنهم، وهنا أشير إلى تسريب صوتي في أحد البرامج السياسية، الذي تناول (شبكة تهريب النفط) من البصرة، وكانت تضم مسؤولين وضباطا، يقترح فيه أحد المتهمين إلى الاتصال بالإعلاميين، الذين يعرفونهم للبدء بحملة صحفية معهم. وفي حوار سابق مع (الجزيرة نت)، قال احد ابرز الوجوه الاعلامية في العراق إن “اغلب مقدمي البرامج السياسية صاروا ادوات في خلافات سياسية”. وقال مصدر مقرب من الاحداث، إن (الاعلامي) الذي استلم 3 ملايين دولار قام بإرجاع المبلغ بعد تبليغ المتهم عنه وعن (إعلامي) آخر يبدو انه كان صغيرا لأن المبلغ كان 100 الف دولار. ولكن القضايا كثيرة والأسماء كثيرة ايضا، وفساد بعض الصحفيين لا يوازيه فساد آخر، لأنهم صناع رأي عام ويستطيعون التأثير نحو التعاطف مع قضية ما، حتى إن كانت صفقة فساد كبرى وتمرير مشاريع فيها ايضا شبهات فساد. ترى هل أبدو مبالغة، لو قلت إن بيع الضمير لا يختلف عن بيع الجسد؟.