التهديدات الإيرانيَّة أفشلت نظريَّة الردع الإسرائيليَّة

آراء 2024/08/22
...

 د.جاسم يونس الحريري

التحركات الروسية والصينية وعدد من الدول الغربية بمجلس الأمن الرافضة للهجمات المتتالية للجيش الإسرائيلي، وذلك في إطار إعادة ترسيم الخيارات السياسية لكل الأطراف الدولية وفقاً لمحددات وخصائص إقليمية جديدة يُعاد تشكيلها حالياً في إطار ما بات يُعرف بـ"خريطة أحزمة التحطم"، التي أوجدت مناطق نفوذ ومواطئ قدم استراتيجية للقوى المناوئة لواشنطن وحليفتها الاستراتيجية تل أبيب، على نحو مكّنها من تطويق هذه الأخيرة عبر "حزام تحطم" بؤر الصراعات بمنطقة الشرق الأوسط بكل من سوريا ولبنان والعراق

تُعدّ نظريَّة "الردع الإسرائيلي" إحدى الركائز الأساسية للسياسة الأمنية الإسرائيلية، والتي تسعى من خلالها إلى تحقيق أهدافها أو المحافظة على وجودها ومصالحها، سواء من ناحية دفاعية أو هجومية. وقد شهدت هذه النظرية تطوراً نوعياً بعد عملية "طوفان الأقصى" التي شنّتها فصائل المقاومة الفلسطينية. وتفاقمت الأوضاع السياسية والأمنية والإنسانية بقطاع غزّة مع ارتفاع وتيرة الهجوم الإسرائيلي المضاد لمعركة طوفان الأقصى في إطار ما يُعرف بـ"السيوف الحديدية" كمحاولة لاستعادة نظرية "الردع الإسرائيلي"، فضلاً عن الفرضيات المتباينة بسيناريوهات الاجتياح البري من جانب قواته على نحو ما قد يُنذر بإبادة جماعية أو تهجير قسري. وبعد اغتيال إسماعيل هنية في طهران يوم الأربعاء الموافق

31/ 7/ 2024 تصاعدت التهديدات الإيرانية تجاه (إسرائيل) للردّ على هجومها واستهداف هنية في العاصمة الإيرانية طهران. ويعد بعض الباحثين هذه التهديدات بمثابة إعادة الهندسة الجيوبوليتيكية وتُبنى تلك الفرضية على إحدى النظريات الجيوبوليتيكية الخاصة بـ"أحزمة التحطم"، لـ"فيليب كيلي -Philip L. Kelly، وكولن غراي –Colin Gray" في كتاباتهم بشأن تصاعد الصراع الإقليمي من المنظور الجيوبوليتيكي. ففي إطار لعبة "توازنات القوى" فإنَّ الصراعات تُشكل مجالاً خصباً لاستدراك القوى الخارجية للتدخل استناداً لنظريتي "التمدد الحيوي- تقاسم النفوذ". وإسقاطاً على الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وتطوّرات عمليتي "طوفان الأقصى- السيوف الحديدية"، فإنها بمثابة "نافذة" لإعادة التنافس الدولي على المنطقة وهو ما يتضح في تحركات الولايات المتحدة الأميركية + الكتلة الأوروبية لدعم (إسرائيل)، مقابل التحركات الروسية والصينية وعدد من الدول الغربية بمجلس الأمن الرافضة للهجمات المتتالية للجيش الإسرائيلي، وذلك في إطار إعادة ترسيم الخيارات السياسية لكل الأطراف الدولية وفقاً لمحددات وخصائص إقليمية جديدة يُعاد تشكيلها حالياً في إطار ما بات يُعرف بـ"خريطة أحزمة التحطم"، التي أوجدت مناطق نفوذ ومواطئ قدم استراتيجية للقوى المناوئة لواشنطن وحليفتها الاستراتيجية تل أبيب، على نحو مكّنها من تطويق هذه الأخيرة عبر "حزام تحطم" بؤر الصراعات بمنطقة الشرق الأوسط بكل من سوريا ولبنان والعراق. ويعترف أحد الكتاب الصهاينة بفشل نظرية الردع الإسرائيلية إزاء التهديدات الإيرانية لها، إذ نشر (دانييل بوميرانتز) مقالاً في صحيفة (جيروزاليم بوست) الإسرائيلية بعنوان "الردع الإسرائيلي ضد التهديدات الإيرانية". ويقول الكاتب: ((إنه كان يُنظر إلى إسرائيل على أنها لا يمكن المساس بها عسكرياً، وذلك بفضل قدراتها (الغامضة) التي تتمتع بها أجهزة الاستخبارات، وقوة الجيش الإسرائيلي، والقدرة التي تتمتع بها إسرائيل للعيش في هدوء نسبي، في منطقة ليست كذلك على الإطلاق، لكن "عندما حطمت حماس هذا الواقع بهجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، يبدو أنَّ إسرائيل فقدت قوتها الرادعة"، وأصبح السؤال الذي يدور في أذهان الجميع: هل يمكن استعادتها؟ ويرى الكاتب أنَّ الإجابة ربما تكون: نعم، ويُشير إلى الضربات الأخيرة التي وجّهتها (إسرائيل) لإيران وحلفائها في المنطقة، والتي اعتبر أنها رسالة واضحة مفادها أنَّ (إسرائيل) تستطيع ضرب إيران ولبنان وأي مكان آخر، ويقول إنه بعد الضربة الأخيرة في طهران، تعهّدت إيران بأداء "واجبها" المتمثل في "الانتقام لدم هنية"، إلّا أنَّ تقريراً لقناة إيران إنترناشونال، تحدّث عن أنَّ الرئيس الإيراني الجديد، ((مسعود بزشكيان))، طلب من المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، الامتناع عن مهاجمة (إسرائيل). ويقول الكاتب إنَّ ما يثير الانتباه أكثر، هو السبب وراء دعوة بزشكيان لإيران للتراجع، إذ إنه لم يشر إلى الضغوط الدولية، ولا إلى محاولات الرئيس الأميركي جو بايدن استعادة "الاستقرار"، ولا حتى إلى طلب روسيا تجنّب استهداف المدنيين، بل بدلاً من ذلك، استشهد الرئيس الإيراني بمخاوف الانتقام الإسرائيلي، إذ حذر بزشكيان من أنَّ الهجوم الانتقامي الإسرائيلي قد يشلّ اقتصاد إيران وبنيتها التحتية، بل ويؤدي حتى إلى انهيار البلاد بحسب الكاتب. واعتبر الكاتب أنَّ ما نقلته القناة الإيرانية جدير بالاهتمام في ضوء اعتراضات البيت الأبيض الأخيرة على الضربات الانتقامية الإسرائيلية، واتهام (إسرائيل) بأنها الطرف الذي "يصعّد"، واختتم مقاله قائلاً: "يبدو الآن أنَّ الانتقام الإسرائيلي الذي ندّد به البيت الأبيض مؤخراً هو القوة المركزية للحد من التصعيد العسكري، وما تخشاه طهران هو الردع الإسرائيلي"، إذا بقي حتى الآن بالرغم من انهياره بعد طوفان الأقصى.