زواج القاصرين.. يسرق براءتهم ويبعثر أحلامهم

ريبورتاج 2019/06/17
...

بغداد/ فجر محمد
الاحصائية التي خرجت بها مؤخرا منظمة اليونيسيف لرعاية الطفولة فيما يتعلق بزواج القاصرين اثارت القلق، اذ بينت ان هناك ما يقرب من 115مليون شخص حول العالم تزوجوا وهم اطفال، 23 مليونا منهم قبل سن  الـ 15 وفقا لأول تحليل على الإطلاق حول رعاية الأطفال أطلقته المنظمة، واستنادا إلى بيانات من 82 دولة، كشفت الدراسة المتعمقة أن العدد الإجمالي المقدر لحالات زواج الأطفال يصل إلى 765 مليونا، اذ اكدت المديرة التنفيذية لليونيسيف هنريتا فور ان  الزواج يسرق الطفولة ويضطر العريسان الطفلان إلى تحمل مسؤوليات قد لا يكون الكبار مستعدين لها».  
وكشفت الدراسة أن زواج الذكور من الأطفال ينتشر في جنوب صحراء افريقيا وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي وجنوب وشرق آسيا والمحيط الهادئ. 
 
مخاطر متعددة
في جو احتفالي كانت عائلة الطفل (ع، ص) الذي يبلغ من العمر 15 عاما ، تحتفل بعقد قرانه على ابنة عمه التي بلغت الثانية عشرة عاما توا، وبوجه مبتسم يقول والده الاربعيني:
«انتظرنا بفارغ الصبر بلوغ ولدنا سن الخامسة عشرة من عمره لكي نعقد قرانه على ابنة عمه، وفي عائلتنا هناك تقليد متبع وهو تزويج الولد عندما يبلغ الخامسة عشرة كي نرى اولاده وهم يتربون معه ويكون الفارق العمري بينهما قليلا جدا».  
الباحثة بالشؤون النفسية والاجتماعية والاكاديمية الدكتورة ناز بدر خان السندي اشارت الى انه مؤخرا تم تداول اكثر من مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر فيه زواج مراهقين لم تتجاوز اعمارهم الخمسة عشر عاما، علما ان هناك خطورة في مسالة زواج القاصرين لاسيما الفتيات ممن لا تتجاوز اعمارهن الـ 12او 13الـ عاما لان هذه المرحلة تعد مرحلة حرجة كونها فترة مراهقة، لذا فالطفل يكون متقلب المزاج وغير قادر على تحمل المسؤولية.
 
الأهلية للزواج
كان (ع، ص ) يرتدي ملابس الزفاف وقد ارتسمت الابتسامة على محياه، اذ كان سعيدا بالجو الاحتفالي الذي هيأته له عائلته، وطغت الفرحة على ملامح والده الاربعيني اذ اشار الى مدى سعادته بهذا الزواج ورغبته الشديدة برؤية احفاده قريبا.
القاضي ناصر عمران الموسوي لفت الى ان الزواج كما جاء في قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل هو عقد بين رجل وامرأة تحل له شرعا غايته تكوين اسرة على اسس المودة والرحمة، والمسؤولية المشتركة وفق المادة الثالثة من القانون ولهذا العقد اركان وشروط للانعقاد ومنها ان يصدر ايجاب من احد العاقدين يفيد لغة او عرفا ًبعرض الزواج على الاخر، يقابله القبول وتوفر الاهلية للارتباط وهي (العقل واكمال الثامنة عشر من العمر )، وشروط الانعقاد وصحة عقد الزواج هي الايجاب والقبول وسماع كل من العاقدين كلام الاخر واستيعابه بانه المقصود منه الزواج وموافقة الايجاب للقبول وشهادة شاهدين متمتعين بالأهلية القانونية ، ولعل السؤال المهم في موضوع زواج القاصرين هل شرعن قانون الاحوال الشخصية زواج القاصرين ؟ والجواب لابد من تعريف القاصر وهو الشخص الذي لم يكمل سن الثامنة عشرة من العمر وقد نص القانون على جواز زواج من اكمل سن السادسة عشرة من العمر، وذلك بعد تقديمه طلبا للقاضي ويأذن له بالزواج اذا ثبتت قابليته البدنية، واذا وافق ولي امره وفي حالة عدم موافقة الولي يمنحهم القاضي مدة معينة للقبول، يحددها له فان لم يعترض او كان اعتراضه غير جدير بالاعتبار اذن القاضي بالزواج حسب نص المادة (8/1) من قانون الاحوال الشخصية، وكذلك اجاز القانون زواج من بلغ الخامسة عشرة في الفقرة (2) من المادة المذكورة بشرط الضرورة القصوى وهي التي يثبت للقاضي تحققها لكي ياذن بزواج من بلغ هذه السن والمسمى بالزواج للضرورة القصوى، ويشترط بلوغ القابلية البدنية للقاصر بموجب تقرير طبي وموافقة ولي الامر وهذه هي الحالات التي اجاز فيها القانون زواج القاصرين.
 
التسرب المدرسي
تظهر البيانات التي تخص التسرب المدرسي ارتفاع هذه النسبة بشكل يهدد التعليم في البلاد، وزيادة عمالة الاطفال خصوصا لمن ترك مقاعد الدراسة مبكرا.
الباحثة بالشؤون الاجتماعية الدكتورة ندى العابدي اكدت ان التسرب من المدارس وترك مقاعد الدراسة وزج الاطفال وهم في اعمار صغيرة بسوق العمل احد الاسباب التي ادت الى ظهور زواج القاصرين بنسبة كبيرة، فهذا ما دفع الكثير من العوائل الى تحميل اولادهم المسؤولية وهم باعمار صغيرة، فضلا عن وجود اعتقاد لدى هكذا نوع من العوائل مفاده ان الزواج هو نهاية المطاف ولابد من ان يكون بسن مبكرة،  فهو بنظرهم قادر على تحمل المسؤولية وتكوين اسرة واعالتها وغاب عنهم ان الطفل لا يمكن ان يؤسس عائلة لعدم اكتمال نضجه البيولوجي والنفسي، كذلك ايمانهم بان الزواج يجعل من الطفل رجلا قادرا على مواجهة صعوبات الحياة، وهو بالتاكيد اعتقاد خاطئ وليس في محله.
 
قوانين حماية الاطفال
بينت التقارير الاعلامية ان المحرك الرئيس لزواج الأطفال يكمُن في الفقر و(ثمن) العروس والمهر، والتقاليد الثقافية والقوانين التي تسمح بزواج الصغار، فضلا عن الضغوط والاجتماعية والأمية، وان زواج الأطفال كان شائعًا على مر التاريخ البشري ولايزال منتشرا على نطاق واسع إلى حد ما في بعض المناطق النامية من العالم مثل أجزاء من أفريقيا، آسيا وأمريكا اللاتينية ، ولفتت التقارير الى ان الدول الخمس ذات المعدلات الأعلى في زيجات الأطفال في العالم دون سن الـ 18 هن النيجر والتشاد ومالي وبنغلاديش وغينيا، ان أعلى ثلاث دول بمعدلات أكبر من 20 ٪ من زيجات الأطفال دون سن الـ 15 هي النيجر وبنغلاديش وغينيا، وواحدة من أصل ثلاث فتيات في المناطق النامية من العالم تزوجن قبل بلوغ سن الـ 18والـ 15. 
كما ان أحد أكثر أسباب الوفاة شيوعًا للفتيات التي تتراوح أعمارهن بين 15 إلى 19 في البلدان النامية هو الحمل والولادة، لذلك صدرت قوانين لحماية الأطفال المعرضين لخطر الاستغلال لتحديد سن قانوني للزواج.
 
مؤسسة كبيرة
توضح الباحثة بالشؤون الاجتماعية ندى العابدي ان الزواج مؤسسة كبيرة تتطلب مجموعة من المؤهلات وهي ان يكون المقبلون على الزواج متفهمين لحجم المسؤولية، وان يكونوا على استعداد لتكوين ورعاية الاسرة التي ستنتج عن هذا الزواج، لذلك فالقاصرون عندما يرتبطون ببعضهم يكتشفون لاحقا عدم قدرتهم على تحمل مصاعب الحياة وغير قادرين على التكيف مع الاخر وتقديم التنازلات لاستمرار الحياة الزوجية.
اما القاضي ناصر عمران الموسوي فيرى ان الموقف القانوني لزواج القاصر محكوم بمنظومة اجتماعية مرت بمراحل زمنية طويلة، فما كان مقبولا سابقا ابان التشريع لا يكون مقبولا بعد هذه المرحلة الطويلة، كون المسالة تتعلق بأمزجة الناس ورؤاهم ورؤيتهم الجديدة في زمن التقنيات والالكترونيات.
 
ثقافة ووعي
توجد في الكثير من الدول العربية مؤسسات تثقف وتوعي المقبلين على الزواج  ومنها صندوق الزواج في الامارات اذ ينظم ورش عمل لتوضيح مفاهيم  الزواج الناجح وكيفية تحمل المسؤولية، وهذه تجربة جديرة بالدراسة والتطبيق في بلدنا للتقليل من حالات الطلاق الكثيرة التي غزت المجتمع مؤخرا.
من وجهة نظر الباحثة السندي فانه من الضروري تثقيف المقبلين على الزواج وتوعيتهم ، والاهم الابتعاد تماما عن تزويج القاصرين وتحمليهم المسؤولية مبكرا، علما ان هناك بالغين غير قادرين على انشاء عوائل، ولكي تقل نسبة حالات الطلاق الاخذة بالزيادة لابد من وضع حلول جذرية وتوعية الشباب وكل من هو مقبل على الزواج باهمية هذا الموضوع لكي ينتج مجتمع متماسك وواع لحقوقه وواجباته.