نوزاد حسن
أظن أنَّ أكبر جريمتين حدثتا في تاريخ الإنسانيَّة هما جريمة قتل قابيل لأخيه هابيل، وجريمة قتل سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين عليه السلام في معركة الطف التي وقعت في شهر محرم الحرام.
جريمتان كما أظن غيرتا طريقة تفكيرنا تغييراً كبيراً، ولا أبالغ لو قلت إنَّ الجريمة الأولى أضفت نوعاً من القلق على حياتنا، في حين كان استشهاد الحسين «ع» درساً بليغاً واضحاً يدعونا الى أنْ نقفَ في وجه الظلم كيفما كان شكله واسمه أيضاً.
قاتل هابيل رجلٌ حسيٌ يتمتع ببلادة واضحة، أنا أتحدث عن جريمة متسرعة جداً، وعن قتل غير مبررٍ أبداً. فما هو الدافع الذي يجعل أخاً يقتل أخاه بغصرارٍ كامل؟
هذا القتل البشع أظهر لنا حضور الموت في بداية التاريخ البشري، وقدم أنموذجاً استثنائياً لقاتلٍ صلفٍ لا تهمه عواقب جريمته. لكنْ علينا أنْ نقول إنَّ الفصل الأول بدأ بمواجهة حاسمة بين الشر والخير، أو بكلمة أكثر دقة بين الطهر والدنس. وهذا ما ستشهده فصول البشريَّة اللاحقة التي حدثت فيها جرائم ومآسٍ كثيرة.
لم يكن قتلة الإمام الحسين عليه السلام أشخاصاً عاديين. إنَّهم جميعاً يشبهون قابيل في رعونته وطيشه. وكما أنَّ هابيل يشبه الى حدٍ كبيرٍ الإمام الشهيد فإنَّ قابيل هو صورة أخرى من يزيد.
أنا في الحقيقة أفهم الجريمتين بهذا المنطق الإنساني، فالطهر تعرض لطيش الدنس، ومع ذلك تبلور لدينا مفهومٌ أخلاقيٌ جديدٌ علمتنا إياه قسوة هاتين الجريمتين. لقد تعلمنا أنَّ الضحية ستنتصر في النهاية. وهذا ما حدث فعلاً.
هي معادلة تتألف من رمزين ضد رمزين اثنين؛ الإمام الحسين عليه السلام، وهابيل في مواجهة قابيل ويزيد. النقاء الكامل ضد القبح الكامل.
معركة ستتخذ صوراً مختلفة، لكنَّ بهاء الرمزين الخيرين سيكون حاضراً في كل مواجهة من هذا النوع، كما أنَّ قتامة الرمزين الآخرين ستكون هي الأخرى موجودة في مواجهات متكررة لن تنقطع.
ومع كل عودة لقراءة موقف الحسين عليه السلام تعاد في ذاكرتنا براءة هابيل الضحية الذي خسر حياته لينتصر، كما أنَّ سيد شباب أهل الجنة عرف كيف يصنع من نفسه أنموذجاً إنسانياً للرفض الذي أصبح قانوناً أخلاقياً نحن في أمسّ الحاجة إليه في أيامنا هذه.