المواكب المسيحيَّة وإحياء الأربعينيَّة

ريبورتاج 2024/08/22
...

 رجاء الشجيري

روحُ الأديانِ والكتبِ السماويَّة نشرُ السلام والمحبَّة بين البشر، وإعلاء الحق ودحر الباطل، والديانة المسيحيَّة كانت ولا تزال في تماسٍ وتقاربٍ روحيٍ واجتماعيٍ مع المسلمين، شخصياً نشأت في منطقة الدورة في بغداد، وأنا أشهد في حي الآثوريين كيف الأصدقاء والجيران من المسيح يتشاركون معنا في المواكب والشعائر الحسينيَّة، الطبخ والطقوس في محرم وعاشوراء والأربعينيَّة، فهم يطبخون «الهريسة» و»القيمة» وينصبون المواكب، ويمشون سيراً جنباً إلى جنبٍ مع المسلمين وصولا إلى كربلاء المقدسة.وهكذا كانت تخرج المواكب للمسيحيَّة من منطقة (بغداد الجديدة) وبقيَّة المحافظات في البصرة والناصريَّة والعمارة وغيرها لتنطلق مسيرتها نحو كربلاء لإحياء الأربعينيَّة وهم يرددون في بعض مواكبهم (مصاب حسين بالدمعات عزاه.. للقرآن اجه الانجيل واساه.. باسم عيسى بن مريم نعزيك بمحرم......).

وعن بداية هذه المواكب تقول «إيزابيل بنيامين ماما آشوري» وهي باحثة مسيحيَّة عبر صفحتها في منصة التواصل الاجتماعي فبسبوك: «قبل بداية شهر محرم من كل سنة يجتمع مجلس الأمناء الكنسي في البصرة لمناقشة تقديم التعازي للمسلمين بهذا الشهر المقدس الحزين عند الشيعة.. وكان خالي عضواً في هذا المجلس كونه قسيساً أقدم. ولكنْ في سنة 2005 قرر المجلس أنْ تشارك الكنيسة بوفدٍ رمزيٍ في مراسم العزاء في البصرة، ثم تطور هذا الاقتراح فأصبح مسيرة (مُشاة) مع جموع السائرين إلى كربلاء في الأربعين، فاصبح عندنا مواكب مسيحيَّة يقودها رُهبانٌ وصُلبانٌ وقساوسة وشمامسة».


الراهب ورأس الحسين

تشير الروايات التاريخيَّة كيف كان جيش يزيد والسبايا من أهل البيت عليهم السلام، ورأس الحسين معهم على الرمح، وكيف يقابلون بالجفاء والإعراض والتوبيخ كلما مروا بديرٍ من الأديرة أو بلدٍ من بلاد النصارى، كما تشير أيضاً إلى قصة الراهب الذي حلَّ موكب سبايا كربلاء ومعهم رأس الحسين عليه السلام بالقرب من الدير الذي يتعبد فيه وكيف بات رأس الحسين عليه السلام في ديره وهو مضيء بالنور فظل الراهب خاشعاً أمام هذا النور والمظلوميَّة.

يقول أبو مخنف إنَّهم مروا بهم بمدينة تكريت وكان أغلب أهلها من النصارى فلما اقتربوا منها وأرادوا دخولها اجتمع القسيسون والرهبان في الكنائس وضربوا النواقيس حزناً على الحسين وقالوا: «إنَّا نبرأ من قومٍ قتلوا ابن بنت نبيهم».


موكب حب الحسين

هو من المواكب المسيحيَّة التي شاركت في كربلاء، إذ كان برعاية وحضور وزيرة الهجرة إيفان فائق جابرو، إذ شاركت الوزيرة في توزيع الثواب بين الزائرين منذ الصباح الباكر والى ساعات متأخرة من الليل، تمَّ تقديم الماء والعصير والفواكه بأنواعها والكيك وغيرها لإرسال رسالة محبة وسلام بأنَّ قضيَّة الإمام الحسين هي قضيَّة الجميع.

الأب شمعون أصلان راعي الكنائيس الشرقيَّة في بغداد كان في هذا الموكب أيضاً وكان يوزع الطعام والشراب ويخدم الزوار يقول: «الإمام الحسين قضيَّة مظلوميته وتضحيته والخلاص عالميَّة وليست محليَّة... فاستشهاده ودمه الطاهر دفاعاً عن الحق ضد الباطل هو درسٌ للبشريَّة».


تارا اوغاردي الايرلنديَّة

كانت من بين زوار الأربعينيَّة، إذ تقول: «مذ كنت طالبة في الكليَّة وأنا أدرسُ في مجال شؤون الشرق الأوسط، ونستشهد بالآيات القرآنيَّة وأنا معجبة من يومها بشخصيَّة الإمام الحسين عليه السلام وقد سمعت بمعركة الحق والباطل التي دارت في كربلاء، وحينما شُخّصْتُ بمرض السرطان شعرت بروحانيَّة المكان الذي فيه الحسين فهو ملاذٌ للمظلومين والمحتاجين واللاجئين الى رحمة الله.. لذلك جئت أمشي مع زوار الحسين في أربعينيته في كربلاء».


كبير القساوسة

القس مالخاز سونغلا شيفيلي جاء مشياً على الاقدام أيضاً ليشارك في أربعينيَّة الحسين عليه السلام وقد تحدث قائلاً: «أتيت الى كربلاء لأتعرف على هويَّة الشهيد الذي قتل بجنب الفرات والذي أشير إليه في الكتاب المقدس»، وأضاف أنَّ «في اللحظة التي دخلت فيها الضريح المقدس للحسين في كربلاء أدركت كيف هي العلاقة بين المسيحيين والمسلمين».

ليؤكد سمير حنا صاحب أحد المواكب المسيحيَّة «نحن نحب الحسين والعباس عليهما السلام وأنا أقيم هذا الموكب منذ سنتين.. كنت في التسعينيات أحضر مع أصدقائي المسلمين في الأربعينيَّة أمشي معهم وأشاركهم لكنني الآن أقيم موكباً خاصَّاً وإنْ شاء الله كل عامٍ باقٍ».