التربية والسلوك الحسيني

ريبورتاج 2024/08/22
...

 عماد العبيدي


لعلَّه من أصعب الأمور خلق نظريَّة في التربية ينطلق منها السلوك ويستقيم، على ماذا يستقيم؟ وبماذا يصلح اعوجاجه لا بُدَّ من وضع أسسٍ لذلك «فالنفس كالغصن إن عدلته اعتدل وإن عصا كان من الخشب» كما أنَّ «لكل امرئ من دهره ما تعودا»، و»التعلم في الصغر كالنقش على الحجر»، وكثيرة هي الأقوال التي تطرّقت لهذه المسألة حتى غدت حِكَماً يسير على نهجها العقلاء وبناة المجتمعات.

إذن لا بُدَّ من تخطيطٍ وتأسيسٍ يعلو على متنه بنيان الإنسانيَّة، كما أنَّه من أصعب وأخطر الأمور انحراف القدوة أو سقوطها، فلا بُدَّ منها (القدوة) صلبة ثابتة ترسم البداية فتكون مبادئ للولوج في معترك الحياة وعند اهتزاز ذلك لا تبقى هناك مبادئ ويستمر البحث عن البدايات الموفقة دوماً حتى يضيع العمر هباءً.

وعندما حانت لحظة العثور على تلك الفرصة أفلح من تمسك بها وسما مجتمعها فنشأت أطفالٌ بطعم الرجولة وازداد رصيد العافية والعنفوان، ما همَّنا التقدم المدني والتقني بقدر فرحتنا بالارتقاء الفكري والحضاري في عنوانه الجوهري منعكساً في صلابة الأبناء متسربلاً ثوب الإيمان فكان الفوز براحة الدنيا والآخرة وهذه هي راحة

البال.

كم نحن بحاجة إلى مثل آل بيت النبي الأطهار والحسين وصحبه الأخيار، تخيَّل لو أنَّنا فقدنا الحسين ونهجه - لا سمح الله -، تخيَّل لو كانت قُدوتنا آل أميَّة والملعون يزيد كما هو حاصلٌ عند بعض الاخوان ممن ران على قلوبهم ما كانوا يفعلون، إذ لا مندوحة لهم إلا أنهم فتحوا البلدان وقتلوا الإنسان وتاجروا باسم الدين والديّان، ثم انظر إلى ومضة الحسين وآل بيته كيف أنها كانت كافية لتنير هذه الحياة «إني آنست ناراً لعلّي آتيكم منها بقبسٍ أو أجد على النار هدى»، فالمكان المظلم يكفيه مصباحٌ واحدٌ ليبدِّد ظلمته، وكيف بنا لو كان هذا النور عميماً «كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور»، إذن لكنَّا على المحجَّة البيضاء ليلها مثل نهارها «وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقاً».

فيا حسرة على ما ضيَّعت الأمة من خيرٍ أراده الله لها ولكن «يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون». ويا فرحةً بما منَّ الله علينا بمصابيح الهداية العترة الطاهرة سفن النجاة، أوتاد الأرض، فما الأرض من غير معرفة الحق والحقيقة إلا مرتعٌ للأنعام، أليس خلقنا فيها ما كان «إلا ليعبدون» لا ليأكلوا ويشربوا ويلعبوا ويتناكحوا ويتسارقوا ويتسابقوا في الرذائل ثم ينحطوا.

إنَّ المثل الساميَّة لا بُدَّ لها من مصاديق تغرسها في النفوس، وكلنا تربى على مجموعة من القيم اكتسبت مفاهيمها من حوادث وشخصيات خلُدت معها فكان الوفاء سموأليّاً والكرم حاتمياً و(الشجاعة والبلاغة والإيمان والصدق والعلم والعفة والإخلاص والتضحية والفداء والإصلاح وما نحن عليه من خير)ٍ كل ذلك كان علوياً حسينياً وثمرة محمديَّة إلهيَّة، فهل عظُم عندنا أنَّ للحريَّة الحمراء باباً لا يطرق إلا بيد مضرَّجة بالدم ويغر عندنا فيض الدماء متفجراً من آل بيت

النبي.

عجباً كيف يصحُّ أنْ نفرِّط بكل ذلك، لا والله إنها أزاهير تورق من نبع ذلك الفيض تملأ الحياة بكل ما هو حسنٌ علي، فمع الزمان وامتداده سجل عندك كم شاخ لنا صبي، وارتدى ثوب الحكمة مقتفياً أثر نبي، وما أن تزِنه حتى تجده راجحاً عقله غير غبي، نافراً من ظلم إخوانه مقتدياً بالحسين الأبي، عندها تحتار ماذا تمنحه من شهادة أو تقدير فإنَّ ما حفظه ووعاه يعادل درجة عالية في العلوم التاريخيَّة ومثلها أو قد يزيد من علومٍ دينيَّة تكفيه أنْ يشعرَ بالأمان والقرب من

الجنان.

جرِّب واسأل لنا طفلاً صغيراً ولا أقول فتى أو رجلاً أو كهلاً وتمتع بعذب اللسان وثبات الجنان وحفظ المأثور مما كان من تاريخ وفصاحةٍ وخطبٍ وغير ذلك من جميل القول فكانوا من تلامذة المدرسة الحسينيَّة، كيف لا وأستاذهم علي والحسنان «ذابت يبو الحسنين مهجتك لينا// وشما طال الدهر تبقى انت

والينا».