{ترندةُ} القضايا… قتلٌ لأهل الاختصاص

آراء 2024/08/26
...

أحمد الخالصي

في ظل المساحة التي وفرتها مواقع التواصل الاجتماعي لإبداء الآراء، ومن قبل الجميع، أي إباحة للكل في الكل، يلاحظ مدى التعطش تارةً لدى من حُرموا سابقًا من هذه الميزة، والاعتياد بالنسبة للجيل الجديد. إزاء كل ذلك، صار بالإمكان أن يتقمص الأفراد أدوارًا عدة ومختلفة تلائم المواضيع محل النقاش، فبتنا نشاهد الشخص يصبح مرة أينشتاين، وأُخرى كسينجر، ولا تمنعه المقاسات لا من ارتداء روب السنهوري ولا عمامة البروجردي، دون أن ننسى طبعًا سهولة تحوله إلى كرويف.
قد يكون مصطلح (ترندة) غير صحيح لغويًا، لكن من باب التماشي وتطويع المفردة بالفهم الشائع، كان إيرادها في هذه الصياغة. بعيدًا عن هذه التفاصيل واقترابًا من العالم الافتراضي أكثر، نرى اليوم فوضى الطروحات هي المبدأ السائد؛ الجميع يتحدث، والكل يعطي رأيه بلا دراية أو إلمام. هذه المساحة في الإبداء التي وفرتها السوشال ميديا انقلبت إلى معترك تجهيلي لا تعبيري، تكمن خطورتها بإشاعة فكرة أن الجميع بالفعل يبدي رأيه، والحقيقة أن هذا الأمر لا يعدو أن يكون ضربًا من الوهم. ففي الغالب، هي أفكار متبناة أو مفروضة بقوة أدواتها الإعلامية في اللا وعي. كما أن عدم المعرفة المسبقة بحيثيات الموضوع: تؤدي لذات النتيجة، ومن هنا يصبح تبني الأفكار بغض النظر عن المنحى المعرفي الفردي أمرًا أكثر قبولاً.  في المحصلة، تؤدي هذه الفوضى إلى تغييب أهل القانون عن مناقشة مواضيعهم، والقضايا الدينية تنفصل عن رجالها، وقس على ذلك في مجالات الأدب والفنون والرياضة وإلخ…، والنتيجة معلومات مغلوطة ونقاشات فضفاضة، لا طائل منها سوى الجدال. والموضوع، مهما كانت أهميته، يُجر إلى جوانب أُخرى شخصية ومذهبية وأيديولوجية، ولتكتمل عملية التجهيل هذه، تبرز لدينا ظاهرة ترميز الشخوص، كل بحسب الجهة التي تتبنى هذا الرأي أو ذاك، وتكون حصة هذا الأمر للأكثر جعجعة صوتية في الحوارات التي تناقش هذه المواضيع، وهم في الغالب عينة قليلة الخبرة كثيرة (السوشال ميديا).  الاختلاف الحاصل في ما يخص مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية يفرض نفسه بقوة كمثال على ما قلناه، وهذا الأمر ما كان ليحصل، لو تركنا القضية تناقش بين أساتذة القانون والحوزة، بدل هذه المعارك الفارغة التي بدأت تخرج وللأسف من الفضاء الافتراضي إلى أرض الواقع، ومن الهاشتاكات إلى التراشق اللفظي، رغم أن الكثير منهم لم يسأل نفسه ولو لمرة واحدة: أفعلاً توجد هذه الفقرة أو تلك في هذه المسودة التي لم يقرأها أصلًا؟.