السيارات الكهربائيَّة تحجزُ مكاناً في شوارع العراق

ريبورتاج 2024/08/26
...

 احمد نجم

أكثر من 200 كم يقطعها محمد بلادي يومياً في شوارع بغداد وأحياناً في محافظات أخرى بسيارته الكهربائية التي أصبحت أول تكسي كهربائية في شوارع العراق، التجربة الفريدة التي تجرأ على اقتحامها ساعدته اقتصادياً من خلال تخلصه من أعباء صرفيات الوقود والصيانة المتكررة،  فضلا عن التميز الذي منحته له.


أعداد السيارات الكهربائية في شوارع بغداد لا تتجاوز المئات تقريباً، لكنها متجهة للازدياد كما يقول روادها نتيجة التجارب المميزة التي حصلوا عليها مستفيدين من قرار مجلس الوزراء العراقي المرقم 13 لسنة 2022 الذي تضمن إعفاء المركبات الكهربائية والهجينة من الرسوم الجمركية، بالإضافة إلى إعفائها من رسوم لوحات التسجيل والأرقام المرورية.

دعم البيئة
القرارات العراقية أتت ضمن توجه عالمي بدأ منذ سنوات لدعم هذا النمط من السيارات المزودة ببطاريات هائلة القدرة تشحن عن طريق التيار الكهربائي لتسهم في خفض الانبعاثات الحرارية المسؤولة عن ظاهرة الاحتباس الحراري، والتغييرات المناخية والتي تتحمل السيارات ذات المحركات التقليدية المعتمدة على الوقود مسؤولية نحو 15% منها بحسب التقارير العالمية.
عالمياً وخلال عام 2023 بيعت أكثر من 11 مليون سيارة كهربائية في جميع أنحاء العالم، ما يشكل حوالي 14% من إجمالي مبيعات السيارات الجديدة.
وتعد السيارات الكهربائية واحدة من الحلول للتخفيف من دعم الدولة للبنزين في العراق، والذي قدره الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي في وقت سابق بمبلغ مليار دولار سنوياً للبنزين المحسن فقط.
وعلى الجانب الآخر من الممكن أن يؤدي ازدياد السيارات الكهربائية في قادم السنوات إلى المزيد من الضغط على الطاقة الكهربائية التي يعاني العراق من نقص فيها خاصة خلال فصل الصيف.

أول "تاكسي" كهربائيَّة
مثل نسمة منعشة في شوارع بغداد تنطلق التاكسي الكهربائية الوحيدة يومياً من دون أن تترك خلفها دخاناً أو انبعاثات تحيل أجواء المدينة لبيئة ملوثة، يصف سائق أول تاكسي كهربائية سيارته بنبرة من الحب "سيارة قوية ومتانة عالية واقتصادية جداً، خلصتني من مشكلات المحرك والدهن والبنزين".
وصل عمر السيارة لديه نحو 6 أشهر، لكنه يجزم بأن المدة كافية للحكم والقرار بعدم استخدام سيارة غير كهربائية في المستقبل، ويعزو أسباب ذلك إلى التوفير الاقتصادي، إذ إنها خلصته من صرفيات تصل إلى أكثر من 600 ألف دينار شهرياً على الوقود وزيت المحركات والصيانة الدورية.

الشحن منزلياً
حامد الغراوي، سائق آخر اتجه لاستخدام السيارات الكهربائية منذ نحو عام، "سيارتي اقتصادية صار سنة ما صار بيها أي عطل"، يقول الغراوي ذلك وهو يسرد مواصفات أخرى للسيارة، "التسارع فيها عالٍ جداً، والقيادة آمنة، والتبريد قوي حتى بأكثر الأيام حرارة".
السيارة التي يقودها الغراوي مصنوعة من شركة volkswagen ويشحنها عبر شاحن منزلي يستغرق نحو 10 ساعات لمليء البطاريات من الصفر، لعدم وجود محطات شحن سريع في بغداد، وهذه هي المشكلة الوحيدة التي شكا منها السائقون.
وتكفي الشحنة الواحدة لقطع أكثر من 500 كم ، وأحياناً أقل بحسب نوع السيارة، ما يجعل السفر بالسيارة بين المحافظات البعيدة أمراً معقداً في ظل غياب محطات الشحن السريع في الطرق الخارجية في عموم العراق باستثناء اقليم كردستان، وتستطيع محطات الشحن السريع شحن البطاريات كاملة خلال أقل من ساعة.

التخلص من أزمات البنزين
بالنسبة للأستاذ الجامعي محمد صباح، فكانت له دوافع مختلفة لاقتناء سيارة كهربائية أصبحت من السيارات القلائل من هذا النوع في كركوك، فقد أجبرته أزمات البنزين المتكررة في المحافظة على التفكير خارج المألوف، والتخلص من معاناة غياب الوقود في المحطات.
يقول: "الآن سيارتي عالم آخر، فلا أفكر بالبنزين ولا الدوانز (الاحتراق المبكر للوقود) ولا الزيت"، يقول الأستاذ في كلية الزراعة أيضاً إنها نادرة الأعطال، لأنها حديثة وقطع الغيار فيها قليلة جداً قياساً بالسيارات الأخرى، ويشترك أيضاً مع الآخرين في المعاناة من غياب محطات الشحن السريع ما يضطره للمبيت عند أقاربه إذا سافر إلى محافظة أخرى ليشحن السيارة منزلياً ليعود أدراجه.

وصايا
لم يتحدث رواد السيارات الكهربائية عن معوقات تتعلق بصيانتها كهربائياً وميكانيكياً، حيث يجري إصلاح الخلل النادر الحدوث عند مختصين ووكلاء في بغداد أو اقليم كردستان، وأحياناً عند المختصين بسيارات الهايبرد الهجينة، أما قطع الغيار فمتوفرة لمعظم أنواع السيارات الكهربائية في بغداد.
وتراود بعض الأشخاص شكوك حول كفاءة عمل السيارة الكهربائية في ظل الأجواء اللاهبة في صيف العراق، لكن عمر عبد القادر امتلك إحداها التي تعود لشركة ford في البصرة، وهي واحدة من عشرات السيارات الكهربائية في المحافظة، يقول عن تجربته التي استمرت لنحو ستة أشهر "راحة كبيرة.. أما التبريد فممتاز حتى في أشد الأيام حرارة"، مع تأكيده على حاجة السيارة للركن بالظل، وعدم تركها عرضة للشمس لساعات طويلة.