مراهقون وشبابٌ يرفضون الدراسة

ولد وبنت 2024/08/26
...

 بغداد: سرور العلي

تشكو الأربعينية جنان محمد من تغيب ابنها ذي الخامسة عشرة عن مدرسته وتذمره من الدراسة، وإصراره على تركها بشكل نهائي، وتجد صعوبة بالتعامل معه، كونه غاضباً معظم الوقت، ولا يرغب بالتحدث مع أسرته، وأدركت محمد لاحقاً أن هناك بعضاً من أصدقائه تركوا تعليمهم، وأصبحوا يبحثون عن مهن يعملون بها، وتقول عن ذلك: {نحن بمستوى اقتصادي جيد ولا ينقصنا شيء، ليلجأ للعمل ويضحي بمستقبله التعليمي، وحاولت مع والده تشجيعه على الدراسة، لكن من دون جدوى».
في حين تعاني الموظفة لمياء حسين من الأمر ذاته مع ابنتها صاحبة الأربعة عشر عاماً، إذ غادرت مقاعد الدراسة، وترغب بالزواج كما فعلت صديقاتها، وبالرغم من محاولات الأم المتكررة في اقناع صغيرتها بأن الدراسة لا تقف عائقاً أمام الزواج، إلا أنها تصر على عدم العودة، وتبين حسين أن : «للأصدقاء أيضاً دوراً بالتأثير في قرارات المراهق وتغيير أفكاره، لا سيما أنه في هذه المرحلة العمرية لديه دافع كبير بتقليد الآخرين، من دون معرفة النتائج التي ستترتب عليه لاحقاً».
ولفتت ابتسام أحمد، معلمة وأم لثلاثة أولاد إلى أنه يمكننا ترغيب الأبناء بالدراسة، من خلال المرونة في التعامل معهم، وأن نكون صبورين وحكماء، ونكسبهم الثقة ونجعلهم أصدقاء لنا، للوصول إلى الأسباب الحقيقية التي تجعلهم يرفضون الدراسة وينفرون منها، ويجب معرفة أن المراهق يعاني من تغيرات نفسية وفسيولوجية واجتماعية وجسدية، ما يجعله يشعر بإرهاق دائم أثناء الانتقال من مرحلة الطفولة إلى مرحلة البلوغ والنضج، وبالتالي علينا توفير الراحة التامة لهم، لتجاوز هذه المرحلة، خاصة أن بعض المراهقين يشعرون أن الدراسة تقيد حريتهم، وتبعدهم عن ممارسة الأنشطة الترفيهية، وينبغي للأم أن تستمع لأبنائها جيداً في هذه السن، وعدم مقاطعتهم وهم يتحدثون عن أنفسهم، فالكثير من الأسر تهتم بالدراسة وما يجب أن يفعله أبناؤها أكثر من الاهتمام بالمشاعر التي يعيشونها، وهذا خطأ فادح، لذلك يجب مساعدة المراهق على فهم مشاعره، والتغيرات التي يمر بها، والابتعاد عن أسلوب تهديده وحرمانه من الأمور التي يرغب بها، وبدلاً من ذلك نستخدم أسلوب التحفيز والتشجيع، للحصول على نتائج إيجابية.
بينما علي محمد قصته تختلف عن الآخرين فهو ليس الابن المفضل لدى والديه، وشقيقه الأصغر منه أخذ الحصة الأكبر من اهتمامهما ورعايتهما، فأهملا خوفه من المدرسة وعدم اندفاعه للالتحاق بها في بداية دخوله لها، ولم يحاولا حتى أن يفهما ما يحصل معه خلال تلك المرحلة، مكتفيين بالتقليل منه ووصفه بالكسلان والفاشل ومقارنته بأخيه الوحيد الذي يصغره بعام، حيث ينعم الأخير بتشجيعهم ودلالهم، ما ولد لديه دافعاً قوياً وإصراراً على السعي لكسب رضاهما والتفوق على أخيه.
 كَبر علي وأصبح شاباً، لكنه ما زال ضائعاً متعباً متنقلاً بين المهن والحرف الصعبة التي يزجه والده فيها،  لكي يكون له دور يذكر بالبيت، حيث يسهم بالمصاريف بما يكفي لتلبية احتياجات الأسرة، وتسديد أجور الابن الصغير بعد أن تم قبوله بإحدى المدارس الأهلية، علي في أول الأمر كان يخجل من وضعه وحاله، إلا أنه تغير تفكيره حينما تقبل أن يكون الإنسان الفاشل في الأسرة، ولذا صار كل طموحه في الحياة أن يتقن أي عمل حتى يثبت لأهله بأنه أيضاً بارع بمجال آخر، لا سيما إذا كان ينال منه أموالاً، يكسب بها ود والديه حتى يمتنعان عن تجاهله وتجريحه بالكلام القاسي، الذي يقلل من شأنه  ويجعله منبوذاً من قبلهما.
د.ناز بدر خان السندي، أستاذة العلوم التربوية والنفسية في جامعة بغداد أوضحت أن: «من أكبر المشكلات التي يواجهها المراهقون هو تركهم للدراسة، سواء كان مراهقاً أو مراهقة، كون شخصياتهم تتأثر كثيراً، لا سيما أن المدرسة والتعليم هما صقل للشخصية وبناء لها، وتكتمل أكثر في تلك البيئة، بتأثير المعلمين والعلاقة بين الزملاء، وجميعها مؤثرات إيجابية للمراهقين، وبتركهم للدراسة سيكون هناك تشتت وضياع لهم، ودائماً سيشعرون بالنقص، وبأن هناك شيئاً لم يحققوه في حياتهم، وأهدافاً لم يصلوا إليها، وحياة لم تكتمل بصورتها الصحيحة، ونوعية المقارنة بينهم وبين أقرانهم الذين أكملوا تعليمهم، فلهم مستقبل صحيح سيحققون فيه طموحاتهم، وسيبقى المراهق يشعر بالنقص حتى حين يصل لمرحلة الشباب، لذلك يجب أن نوجه المراهقين نحو الدراسة، وحثهم بأن يكون لهم دافع وهدف في الحياة يسعون لتحقيقه، وعلى الوالدين تشجيع أبنائهم على التعليم وعدم تركه، لأن هناك مردودات كبيرة جداً وسلبية على حياتهم مستقبلاً، قد لا تظهر في المراحل الأولى من حياتهم بعمر المراهقة، ولكن بالتأكيد ستظهر أضرارها عندما يصلون لعمر أكبر، لأنه كل ما بلغ الإنسان مرحلة عمرية يشعر بأن الأوان قد فاته، وهذا مؤثر سلبي كون البنية اكتملت في شخصيته».
مضيفة «وتعد مرحلة المراهقة من أخطر المراحل التي يمر بها الإنسان في حياته، ففيها التغيرات البيولوجية والهرمونية، وهي مرحلة صعبة إذا لم تتم تنشئة وإعداد المراهق بشكل صحيح، وإكمال كل الجوانب في حياته، فإنه سيكون هناك تأثير سلبي في شخصيته مدى
العمر».