سناء الوادي
قلقٌ بالغٌ اعترى العالم، بعدما قامت منظمة الصحة العالمية بإعلان حالة الطوارئ في العالم، عقب انتشارٍ مبدئي لجائحة جدري القرود «إم بوكس» في ستوكهولم وباكستان، ما يعني خروجها من دول شرق وجنوب شرق إفريقيا مهد الجائحة، وعليه فإن باقي الدول يجب أن تقرع ناقوس الخطر، فما يشهده شرق القارة السمراء من اضطرابات داخلية ونزاعات يزيد من أعداد المهاجرين منها، حاملين معهم الفيروس إلى أرجاء العالم.
ومع ذلك فإنَّ طيفاً من الطمأنينة لاحَ في الأجواء، عندما أعلنت الشركة الدانماركية للدواء «بافاريان نورديك «عن توفر ثلاثمئة ألف جرعة تطعيمية في مخازنها، جاهزة للتسليم مخصصة للأعمار فوق الثمانية عشر عاماً، مع إمكانية إنتاج مليوني جرعة بنهاية العام الحالي وثمانية ملايين مع نهاية العام القادم، إلَّا أنَّ هذا الدواء مكلف بحقيقة الأمر ويفوق قدرة دول القارة السمراء الفقيرة والمشبعة بالأوبئة الأخرى كالملاريا والتيفوئيد، بأن تتحمل تكاليف الجرعات التطعيمية، وبذلك فإن الدول المتقدمة، التي تخشى غزو الإم بوكس لسكانها عليها التعهد بتقديم العلاج على حسابها لوأد المرض في مهده.
ومع تساؤلات البعض حول سرعة توفّر التطعيمات ضد جدري القرود، مع ما تبادر إلى الأذهان من اختناقات الوباء الأخير، الذي أغلق العالم وأشغل العلماء فترةً من الزمن بالبحث والتجريب للتوصل للعلاج المناسب، وهنا علينا القول بأن هذه الجائحة الجديدة ليست بجديدة كلياً على اعتبارها نوعاً متحوراً من الجدري العادي، وعلى المقلب الآخر فإن ظهور جدري القرود في جمهورية الكونغو الديمقراطية الأول يرجع لتاريخ 1970م لمَّا أصيب به طفلٌ كان يربي قرداً حينها كان مرضاً ينتقل بين القردة فقط، وبعد أن وصل العدد في العام 1986م إلى 300 شخص تم إنتاج اللقاح وتحجيم المرض، لكنه على ما يبدو عاد الفيروس للظهور وبقوة تفوق مناعة الأشخاص المصابين به سابقاً، ففي تكساس الأمريكية في العام 2003م عانى رجل يتاجر بالحيوانات الإفريقية من أعراض الجدري، ومن ثَمَّ واحد وسبعون آخرون في منتصف ذات العام.
ضمن هذا السياق فإن جدري القرود الجديد غيَّر حتى من شكل انتقال العدوى، فما هو ملحوظ انتشاره بين المثليين الجنسيين «الشواذ» من الرجال وماهم تحت سن الثامنة عشرة، وهذا ما سيضع الشركة المنتجة لدواء جينيوس «بافاريان نورديك « تحت عبء التجارب والاختراع مجدداً لإنتاج دواء يلائم الفئة العمرية الصغيرة.
وهل يصح القول إنه من سخرية القدر أم التكاسل عن العمل ما يحدث، فكيف لدولة بحجم الكونغو الديمقراطية وغناها الطبيعي بالثروات والكنوز، أن تستجدي من دولة كالدانمارك أصغر منها مساحةً بعشر مرات بأن تختلق لها سبيل النجاة من المرض الفتاك، وهنا لا بد من الوقوف برهةً عند هذه الدولة الاسكندنافية ذات التعداد السكاني الصغير « ستة ملايين شخص « بميزانية تبلغ 410 مليارات دولار كانت تركز خلال السنين الماضية وعلى خلاف نظيراتها الأوروبية على قطاع التكنولوجيا الحيوية في البحوث والتجارب، التي تلاحق الجوائح والأمراض المزمنة والقاتلة وسنَّت القوانين التي تعطي للمبتكر حرية كبيرة، حتى غدت الشركتان الأكبر فيها « بافاريان نورديك « و» نوفو نورديسك « عصب الاقتصاد الدنماركي، فقيمة الأولى السوقية 328 مليار دولار والثانية 600 مليار دولار، ناهيك عن الشهرة الكبيرة التي طالت الشركتين عالمياً، ولقد ارتبط اسم الدواء الشهير لمعالجة السمنة « ويجافي « باسم نوفو نورديسك، حيث غزا أسواق العالم كله، ولاقى قبولاً كبيراً، فضلاً عن أن الشركة ذاتها هي المتخصصة بإنتاج أدوية مرض السكري وتصدرها لباقي الدول، وهنا لا بدَّ من الذكر بأن زيادة الصادرات الدوائية العام الماضي بنسبٍ مرتفعة جداً عادت على المواطن الدنماركي بالنفع الكبير عندما تسببت بجعل البنك المركزي الدنماركي يخفض من نسب الفائدة وهذا ما انعكس على جميع مناحي الحياة.
هذا وإنَّ التجربة الدنماركية الناجعة في إنتاج الدواء، يضع هذه الدولة الصغيرة بمكانٍ يفوق مكانها وحجمها على خارطة العالم، فيجعل الدول الكبيرة والمتقدمة كأميركا وفرنسا وبريطانيا تتسابق لتوقع عقوداً مع شركاتها لتوريد التطعيمات إليها لتنقذ بها شعوبها من الوباء الجديد.
كاتبة وإعلامية سورية