{الهدل}.. القصيدةُ التي علقت في ذاكرة الناس

ثقافة شعبية 2024/08/29
...

 عادل العرداوي

تزخر حركة الشعر الشعبي العراقي عبر مسيرتها الطويلة بمثابات شعرية سامقة، ما زالت أصداؤها تتردد بين الناس من جيل إلى جيل، يحفظونها ويرددونها في مجالسهم ولقاءاتهم، لا يملون منها . من بين تلك المثابات قصائد شعبية معينة لعدد من الشعراء، كتبت بالأساس قصائد شعبية لأصحابها، لكنها سرعان ما انتشرت وذاعت بين الناس وتلقفها بعض الملحنين والمطربين الذين أعجبوا بها وحولوا أجزاء منها إلى أغانٍ خالدة، ما زال الوجدان الشعبي يرددها حيثما يحتاجها..
والأمثلة على ذلك كثيرة لا يستوعبها المجال الآن للمرور بها واحداً واحداً أو اخذ نماذج مختارة منها، ولكن سنكتفي بنموذج واحد منها في هذه المقالة، على أمل العودة إلى البقية في فرص لاحقة.
فقصيدة (الهدل) التي ولدت في نهاية ستينيات القرن الماضي ونمت وانتشرت بين الناس ومنهم الشعراء الذين تباروا للرد عليها أو مجاراتها وهم كثر ..
و(الهدل) هذه هي لشاعر شعبي راحل من أهالي مدينة (طويريج/ الهندية) هو المرحوم ابراهيم الشيخ حسون من مواليد 1915، عرف عنه تمكنه من نظم الشعرين (الفصيح والشعبي) في مختلف المجالات الشعرية من حيث الأوزان والطرائق المتعارف عليها، خاصة في مجالات الشعر الحسيني (المنبري) والاجتماعي والوجداني والناقد والساخر الخ ..
وهذه القصيدة (الهدل) التي أصبحت المفتاح الأول لدخول الفنان ياس خضر أسوار الإذاعة والتلفزيون في عام 1969، وأصبحت حجر الأساس في مسيرته الطربية المبدعة، حيث سجلت تلك القصيدة التي أداها ياس خضر بصوته المتمكن وأدائه الساحر حضوراً واسعاً بين طبقات المجتمع العراقي آنذاك، وعدت فتحاً ذوقياً جديداً في مسار الأغنية العراقية.
ولعل شاعرها المرحوم ابراهيم الشيخ حسون لم يدر بخلده في حينه أن تسجل قصيدته تلك ذلك المدى الشاسع من الانتشار والنجومية، لأنه كتبها لتكون قصيدة اعتيادية كما هو حال قصائده الأخرى، لا أن يؤديها مطرب شاب غير معروف آنذاك   وهو ياس خضر، لتصبح حقاً أغنية الموسم بحق وحقيق.
وبالعودة إلى (الهدل) فإنها قصيدة نظمت على وزن (الموشح) وتتميز بجرأة شاعرها، وتمكنه من طرح ما طرحه فيها خاصة أن بعضاً من مقاطعها تومئ بلمحات من الأدب المكشوف.
وأمام طول تلك القصيدة فإني سأختار منها مجموعة قليلة من مقاطعها وكذلك رد شاعرين آخرين عليها بهدف اطلاع القراء ومتابعي القصيدة الشعبية على نماذج مختارة من نتاجات شعرائنا الراحلين من الرواد أمثال المرحوم الشيخ حسون وأضرابه.
فقصيدة الهدل كاملة مكونة من (27) مقطعاً رباعياً وتبدأ بالمستهل الآتي :
امنين اجيب ازرار للزيجه هدل
اشلون يتزرر الشايله جبل ..
ويسترسل الشيخ حسون بتلك المقاطع بانسيابية واضحة وبمفردات مفهومة :
الجسم فتنة وللمحاسن بي افنون
اودع ابوجهه الحسن سره المصون
والسحر سهم الحواجب والعيون
خمر ثغره الخمر مثله مافعل ..
****
لو الي رشفه تصح من مبسمه
چاشفتني وطفت من چبدي الضمه
اوگف أوياه وادعي ابيا محكمه؟
وحكم لحظه نافذ ابكل الدول ..
وفي الزمن الذي ولدت فيه (الهدل) كان العالم مشغولاً بهبوط رواد الفضاء على سطح القمر، لذلك تأثير تلك الضجة العالمية  كان واضحاً على شاعر (الهدل) بقوله :
آنه اقسم هذا مو من البشر
اولو تشوفه اعيون رواد الگمر ..
چان گالوا فشل مسعانه وخسر
وين نصعد والگمر لينه نزل ..
وكما أسلفت فإن عشرات الشعراء في ذلك الحين كانوا قد باروا تلك القصيدة منهم الشاعر الراحل محمد علي العذاري الذي رد بقصيدة طويلة أيضاً نختار منها، الآتي خوفاً من الاطالة :
يالتدور  ازرار للزيجه هدل
ولفك اغتاض واظن منك زعل ..
****
لو تريد ازرار موجود الزرار
اشدعوه متشوش وتايه بالافكار
اگدر اجمعلك اطغار امن ابفد نهار
وتگدر امن (الشورجه) تجمع جبل
ويدخل حلبة الهدل شاعر آخر هو المرحوم رضا الشيخ خضير الذي قال:
لا تجيب ازرار للزيجه هدل
هرش رمان الصدر توه حمل..
لا تضم نعمة الباري بالزرار
والله گال بنعمتي حدث جهار
هذا عصر النور والوادم احرار
اصبحت وانت تحب عصر الجهل..