غفران حداد
لطالما كانت الأرملة تشكل الحلقة الأضعف في مجتمعاتنا العربيَّة، كونها تأخذ دور الأب والأم معاً في تربية أولادها، وقد تناولت الدراما والسينما العربيَّة الكثير من المشكلات التي تواجه الأرملة في حياتها. قدم خلال العام 2023 مسلسل "تحت الوصاية" تأليف خالد دياب وإخراج محمد شاكر خضير، ويدور حول أرملة صغيرة السن تدعى "حنان - منى زكي"، مات زوجها البحار، وترك طفلين أكبرهما بعمر 9 أعوام والصغرى بنت لم تكمل عامها الثاني، معاناة حنان تبدأ من تدني مدخول مركب الصيد الذي كان يملكه ويديره زوجها الراحل بعد أنْ تولى إدارته شقيقه، وتفاجأ بأن الجد يريد أن يعمل حفيده الصغير معه في ورشة حرفيَّة بدلا من الاجتهاد في الدراسة.
وتعاني حنان من مأزق ضيق العيش من جهة وانهيار أحلامها في تنشئة ابنها وتعليمه، لكنَّ معاناة حنان ليست في العمل لأجل لقمة العيش، بل مع القانون الذي يمنعها أنْ تكون وصيَّة على الأبناء القصر في حالة وفاة والدهم على الجد وليس الأم، لتعيش تحت رحمة الجد وأخ الزوج الراحل في محاربتها على رزقها في تجارة السمك ووصاية
أطفالها.
قبيل حلول شهر رمضان نلاحظ تسارع شركات الإنتاج وقنوات التلفزة العراقيَّة لعرض أعمالها وبعضها بمشاركة نجومٍ عرب، وترصد لها ميزانيات إنتاجيَّة ضخمة لكنْ رغم أنَّ العراق ابتلى بالكثير من الحروب قبل وبعد 2003 وما خلفته الحروب من مئات الآلاف من الأرامل والأيتام لم نجد عملاً يسلطُ الضوء على حياة الأرامل، بل تكون الشخصيَّة من ضمن مجموعة أبطال ثانويين ضمن قصَّة العمل، كما مسلسل "الهروب" وتدور أحداثه حول سيطرة الإرهاب على أجزاءٍ كبيرة من البلاد وحالة الفوضى والإرباك التي أحدثها في حينها، المسلسل من بطولة مقداد عبد الرضا، ويشاركه النجوم سامي قفطان وإيناس طالب، والعمل من تأليف علاء الفارس وإخراج أمجد زنكنه، وكانت هناك مساحة صغيرة للفنانة سمر محمد في العمل، إذ أدت دور أم عاصم الأرملة التي تحاول الحفاظ على أسرتها مع دخول الإرهاب إلى الموصل. نتمنى من صناع الدراما العراقيَّة تقديم صورة حقيقيَّة عن معاناة الأرملة بين عقبات المعيشة والقوانين التي تواجهها من الوصاية والميراث، قبل أنْ نخوضَ في أفلام عقد السبعينيات والثمانينيات من القرن المنصرم حول الأرامل.
هناك فيلم "مستكة وريحان 2017" تأليف وإخراج دينا عبد السلام، وتدور قصته حول الأرملة العجوز "مستكة" مسلمة تبلغ من العمر 70 عامًا، وتقطن لوحدها في إحدى البنايات بمدينة الاسكندريَّة، وفي الأعلى من شقتها يسكن الأرمل "ريحان" مسيحي يبلغ من العمر 67 عامًا الذي يقاربها في الظروف ومنها انشغال الأبناء عنهما، وتجمعهما علاقة حبٍ إنسانيَّة يتخللها الكثير من التفاصيل البسيطة فيحاولان من خلالها تبديد حالة الوحدة والعزلة التي يعيشانها، مخرجة الفيلم أبدعت في تقديم عمر الشيخوخة ليس سناً لليأس، وإنما اكتمال الإرادة ونضجها الفكري، بالمعنى الميتافيزيقي، فالعلاقة بين مستكة وريحان كانت من شرفة الى أخرى ومن مكالمة هاتفيَّة الى أخرى، متعة بصريَّة حولت المخرجة آلام الشيخوخة الى إبداع.
لعلَّ أشهر الأفلام المصريَّة القديمة التي سلَّطت الضوء على حياة الأرملة ولاقى نجاحاً كبيراً كان فيلم "إمبراطوريَّة ميم، 1972" قصة الأديب إحسان عبد القدوس وسيناريو وحوار الروائي نجيب محفوظ وإخراج حسين كمال. كانت "منى - فاتن حمامة" تتحمل مسؤوليَّة أولادها الستة الى جانب عملها موظفة في وزارة التربية والتعليم، ومع شعور منى بالوحدة وفي تربية الأبناء تجدُ نفسها في علاقة حب مع رجل الأعمال "أحمد رأفت - أحمد مظهر"، وكان انشغال منى الأكبر بمشكلات أبنائها بعد زيادة أعمارهم، ودخولهم في مراحل المراهقة والتمرد، ومحاولة الاستقلاليَّة، مع فهمهم الخاطئ للحريَّة، ليطلب أحمد يدها للزواج، ورغم موافقة أبنائها لكنْ لا يجد المهندس أحمد مكاناً له وسط هذه الإمبراطوريَّة بين طيش وتصرفات الأولاد وحب منى لأولادها، فيقرر المغادرة والسفر
للخارج.
من قصص الأفلام الواقعيَّة التي عاشتها الكثير من الأرامل فيلم "أرملة رجل حي، 1988"، إذ يقع "كمال - حمدي حافظ" أحد أبطال حرب أكتوبر في الأسر لمدة أربع سنوات، وتحصل "منال-نورا" زوجته على الطلاق، بعدّه مفقودًا، وفي أثناء زفافها على "محمد - صلاح قابيل" رجل الأعمال الثري يخبرها شقيق "كمال" أنه قد عاد من الأسر فترفض إتمام الزواج.
السينما المصريَّة قدمت نماذج واقعيَّة في حقيقة نوايا وأطماع العريس الراغب بالزواج من أرملة لأجل الاستحواذ على أموالها، ففي العام 1956 كان العرض الأول لفيلم "الأرملة الطروب" بطولة ليلى فوزي وكمال الشناوي، ويدور حول امرأة توفي زوجها الذي يكبرها بأربعين سنة، وترك لها ثروة هائلة مشترطاً عليها عدم الزواج بعده وإلا ستؤول الثروة لأهله، من هنا يبدأ أقارب الزوج بالسعي لخطة كي تتورط بالزواج لتصبح الثروة من حقهم حسب الوصيَّة، في الوقت نفسه يحاول والدها عرقلة زواجها من أي عريسٍ يتقدم لها لكيلا تخسر ابنته الثروة التي يطمح إليها هو أيضاً.
أكثر من 48 عاماً مرّت على عرض فيلم "شادر السمك"، الذي طرح في 12 كانون الثاني 1986، والفيلم ما زال محفوراً في ذاكرة المشاهدين ولا يملون من مشاهدته مرات عديدة وإعادته على مرّ السنوات، العمل كان من إخراج علي عبدالخالق، وﺗﺄﻟﻴﻒ نبيل نصار، والسيناريو والحوار للكاتب عبدالجواد يوسف، من الأفلام المميزة والناجحة التي سلطت الضوءَ عن معاناة الأرامل، إذ تواجه الأرملة "جمالات - نبيلة عبيد"، بعد وفاة زوجها طمعَ التجار بشادر السمك، إذ يحاولون منعها من التجارة، ويحاربونها بكلّ السبل، تواجه أباطرة سوق السمك مثل عتريس وصفوان وسليم، الذين يمنعونها بالقوة من العمل مستندين للقانون الذي يمنع البيع خارج الشادر، يتعاطف معها "أحمد - أحمد زكي" العامل الصعيدي لدى المعلم سويلم، يساعدها في أعمالها والوقوف ضد التجار ويتزوجها ويبدأ العمل بمفرده بأموالها ويطلبُ منها البقاءَ في البيت، لتنقلب الأحداث رأسًا على عقب، حينما يقرر الزواج مرة أخرى.
وشاهدنا الكثير من أفلام السينما المصريَّة التي تدور حول الزواج من أرملة أو ادعاء الحب لأجل الطمع في أموالها، ومن هذه الأفلام "الفتوة 1957، مطلوب أرملة 1965، الليلة الموعودة 1984، الأرملة والشيطان 1984".