رحلَ جبار رشيد وفي قلبه امرأة واحدة

ثقافة شعبية 2024/09/05
...

 سعد صاحب 


ينتمي الشاعر جبار رشيد إلى قبيلة الشعراء، الذين ماتوا بسن مبكرة، من امثال: طارق ياسين وعزيز السماوي وجبار الغزي وصاحب الضويري، وزامل سعيد فتاح وسمير صبيح، وكان يتنبأ بهذا الموت السريع، في اكثر من قصيدة.
(ظل وياي أريدك والبقن چم يوم، وهلچم يوم صارن حدك وحدي). وتشير المعلومات إلى أنه مات بعمر (47) عاما، ولم يتزوج من امرأة كما قطع عهدا للحبيبة، وهذا وفاء نادر في أزمنة الخيانة والكذب والغش والهجران والجحود. (أخذني وياك أريدك ما أريد الغير/ وكون بسدك اگعد واگعد بسدي/ لتخليني وحدي منين اعرف الناس/ لا اگدر أعاشر لا خلگ عندي). يلتقي بتاريخ موته مع كريم العراقي بنفس اليوم والشهر، وقد توفى اثر جلطة دماغية في 

(1 / 9 / 2020)، وهو يشبهه شعريا إلى حد ما، في الغزل والرقة والعذوبة والترافة.(خليني ارد اشوفك گمت احسك طيف/ ويا عين التكض الطيف اليعدي). وقريب من اجواء الشاعر جبار الغزي، في الغربة والرفض والتمرد والضياع، والانغماس في تشويش العقل حد الاضطراب، فضلا عن التشابه بالاسم والملامح والخيبة والخذلان. (صرفنه سنين حبنه وخلصن تبذير/ وعلى يوم النشوفك باجر 

انجدي). 


حبٌّ قديم 

أغلب قصائد الشاعر تتحدث عن الحب، ولا ريب في ذلك، فهو المحرك الرئيس للقلوب الهامدة، والانسان بلا عاطفة يصبح حجرا مهملا في الطريق، وجبار عاشق هائم في معشوقته حد الهوس والجنون والغيرة القاتلة، وفي هذا المجال ينطبق عليه المثل الروسي الذي يقول: (الحب القديم لا يصدأ)، حتى لو كانت النهاية مأساوية وغير سارة للطرفين. (احب شلون غيرك من أود شلون/ وانه وياك كلش خلصت ودي/ بگد حبك النفسك چنت اناني وياك/ ومنوا بگدك يحبك محد 

بگدي). 

دائما هناك الكثير من العوائق تقف في طريق العاشقين، ومنها: الفقر والجهل والعوز المادي وتدني المستوى الثقافي للعوائل، واكتظاظ الناس في بيوت ضيقة، وعدم الحصول على وظيفة، والاحباط والاغتراب النفسي وعدم الثقة بالمستقبل، وتحل المأساة الكبرى بهدم سياج المحبة، واعلان الانفصال والافتراق والرحيل. (گلي شراح اگلك وانته راح تروح/ وليش تلح عليه وتنتظر ردي/ هذا السان حال دموعي يحچي وياك/ وراح اسكت واحچي دموعي البخدي/ واسولف بالدمع واتوسلك عبرات/ أود اشبع بشوفك واحتفل ودي).

الانقطاع وعدم التواصل، بمثابة الموت الحقيقي لعاشق ولهان، يطمح بلقاء جديد من عاشقة تلهو ولا تحب، ومن النوادر بقاء العشق إلى الأبد، وحتى العهود المبرمة بين الأرواح المتحابة، قابلة للنكران والتبديل والنقض والاختلاف والمناورة، والنهايات السعيدة موجودة فقط في الافلام السينمائية المستهلكة، 

وأغلب الحكايا تنتهي نهاية حزينة، ومن الافضل السيطرة على المشاعر، لأن عواقب الامور تكون وخيمة، وتصبح الكارثة قريبة لأصحاب النفوس المشتعلة، وحينها لا تجدي البرودة القادمة  في وقت متأخر، أو بعد فوات الأوان. (يل بيه ويا روحي الطلعه طلعت موت/ شيردكم علي لو صيحت ردي/ اخذني وياك مني اشعندي باقي وياي/ وكلي وياك اخذني وكلشي 

لتودي). 


أسبابٌ عدة 

أغلب الشعراء فقدوا حبيباتهم لأسباب عدة، بعضها سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية أو نفسية، أو العيش تحت ظروف انسانية ضاغطة، كالحرب أو السجن أو الاسر أو المرض أو السفر أو الغياب القسري، ومنهم على سبيل المثال: جبار الغزي وجودت التميمي وناظم السماوي وكاظم غيلان، وحينما يفقد الانسان من يحب، لم يعد يبالي بما يحدث له من أمور سلبية اخرى، ولا يخشى من الكوارث المزرية والفظائع، لان الشيء الثمين راح، وتلاشت الاحلام الوردية وانهارت قصور الخيال وخابت الامنيات، ولا مبرر بعد فجيعة الخسران، يستوجب الحذر والانتباه والخوف والاحتراس.(شيصيرن بعد خل اليصير يصير/ خل كلشي الاليه وينگلب ضدي/ خل اسنيني تغرگ خله عمري يفيض/ خل اگبال عيني وينهدم سدي/ خايف صح چنت بس چنت اخاف اعليك/ والمن بعدك انته وخايف 

اشعندي).