أسطورة التراث الشعبي العراقي

ثقافة شعبية 2024/09/05
...

 إعداد: د. عبد الزهرة الفتلاوي


شاعرة شعبية عراقية تنتسب إلى قبيلة الصدعان الشمريّة، عاشت في القرن الثامن عشر، وعاصرت شيخ عشيرة الخزاعل حمد آل حمود المتوفى سنة 1799م، هي امرأة  ذائعة الصيت  في التراث الفولكلوري العراقي، ومن النادر أن تصادف بيتا في أرياف وسط وجنوب العراق من لا يعرفها أو يروي لك قصة عنها أو يحفظ بعض أشعارها، أبصرت فدعة النور في أهوار الجنوب  في بيت ريفي مشيد من القصب والبردي، وترعرعت في المنطقة المحصورة بين مدينتي الرميثة والحمزة، فدعة هي البنت  الوحيدة لوالديها ولها أخ واحد اسمه حسين، كان أبوها وأمها يمتهنان تربية الجاموس، التي تكسب أصحابها أجسادا قوية بسبب اعتماد غذائهم على حليب الجاموس الدسم، تزوجت فدعة أحد أقربائها وهو من زعماء قبيلة بني زريج اسمه عبود، أمضت معه حياة زوجية هانئة ومستقرة، ولكنها فقدت زوجها في إحدى المعارك ولم تتزوج بعده.


موهبتها الشعريَّة 

عاشت فدعة في صريفة داخل الهور، وهي قليلة الاختلاط بالناس، ترعى الجاموس الخاص بوالدها وتصنع من حليبه القيمر والجبن واللبن، وعلى قلة اختلاطها، فإن أهوار القصب والبردي والمياه وفرت لها صورا شعرية ملونة تحاكي هذه الطبيعة، وكانت منذ طفولتها وصبابتها ميالة للنغم، برزت فدعة كشاعرة فطرية بحدود سنة 1750م فكانت تنشد الشعر في مناسبات الأعراس، أو تلقي الشعر البكائي في حوادث الوفاة، حيث يسود الشجن والحزن العميق، وقد ساعدتها موهبتها وشجاعتها، لأن تكون شاعرة لها حضور واضح بين أهالي الأهوار، حتى صار الناس يرددون بعض ترنيمات الأطفال، وهم لا يعلمون أنها من ابتكارات فدعة، ومنها هذا المقطع الذي تردده كل أم عراقية عندما تهز وليدها بالمهد:

هبّ الهوه و تحرك الباب

‏حسبالي ي يمّة جية احباب

‏ثاري الهوا.. والباب چذاب

وفدعة ليست شاعرة فقط بل هي حكيمة، ولها أمثال ترددها الناس ومقولات تعطر المجالس، ومن أقوالها المأثورة (الولد مولود والرجل موجود والأخو مفكَود)


فدعة وأبوها 

 حدث الجفاف العجاف في إحدى السنين، فمات الزرع وجف الضرع، فخرج والد فدعة وأقاربها يطلبون الماء والكلأ،  ولكنهم أينما حلوا وجدوا صدورًا ضيقة، حيث يطردهم أصحاب الماء، فنهشهم القلق والجزع بل واليأس أيضًا ! حتى وصلوا إلى ديار الخزاعل، وهم في حال من الوهن يرثى لها فرحبوا بهم.

كان والد فدعة عِلي آل اصويّح (بكسر العين) شاعرا كبيرا، ويتصف بالذكاء والنباهة والحكمة، وكان يمتلك صفات عروبية متميزة من الشهامة ودماثة الاخلاق، فروي أن الشيخ جعفر آل كاشف الغطاء (من فقهاء النجف)  حادثهُ  بعد أن أفتى بإباحة دمه لما ذكر له انه يفتي بغير علم، فجاءه عِلي متنكراً (ملثما)، ومعه ابنته فدعة، وابنه حسين وطلب من الشيخ كاشف الغطاء أن يحل الإشكال، الذي وقع لولديهما، حيث كانا يملكان فرسين متشابهين، ولكل فرس مهر (حصان صغير)، وقد مات أحد المهرين، فلمن يكون المهر الباقي؟  فقال الشيخ القرعة ولَم يقبل منه هذا الحل! 

فقال عِلي آل اصويّح: بل يتم تعطيش الفرسان ومعلوم أن الفرس لا ترد الماء حتى يشرب المهر وبهذا تتم معرفة أبيها!    وعندما سأل الشيخ جعفر أهل المهنة أجابوا بصحة هذه المعلومة، وحينها كشف عِلي آل اصويّح اللثام وقال: أنا فلان وهذه ابنتي فدعة وهذا ولدي حسين، وأنا لا أفتي وإنما أقول بالعرف، فأبطل الشيخ جعفر فتواه السابقة وأجازه بمثل هذه الحلول العرفية. 

هذه الصفات جعلت كبير مشايخ خزاعة في الديوانية الشيخ حمد آل حمود يغض النظر عن أصله ويقبله كصديق يعتمد عليه، ويتشاور معه في كل صغيرة وكبيرة، فاندمج عِلي آل صويّح بقبيلة خزاعة، وشارك في حروبها، وكانت فدعة فارسة شجاعة ترافق جيش خزاعة في حروبها، فتتناول بيدها عمودا وتهرول مع الجيوش غير مكترثة بالرجال وهول المعارك المحتدمة.

تمنت فدعة أن يكون لها خمسة وخمسون ولدا، والغاية انها توزعهم وفق اعتبارات حلمها، فالعشرة الاوائل خداما في حضرتي علي بن ابي طالب وابنه الحسين(ع) والآخرون بين صانع للقهوة ومكرم للضيف، وبعضهم للشدائد والآخرون حاملو البنادق: 

تمنيت البزر خمسه وخمسين 

خمسه ابعلي وخمسه بالحسين 

وخمسه يدگون الهواوين

وخمسه يديرون الفناجين

وخمسه اسباع امسلسلين

وخمسه يزرفون الحياطين