اكتناز الأشياء القديمة.. داءٌ أم هواية ؟

ريبورتاج 2024/09/09
...

 قاسم موزان


غالباً ما يلجأ الأشخاص إلى اكتناز الأشياء القديمة الزائدة التي مضى وقت طويل على استخدامها، وبات وجودها يشكل عبئاً مضافاً على المكان، لذا تعم الفوضى العارمة من تخزينها الفوضوي، بينما يربط بعضهم المقتنيات بذكريات سابقة، يحاولون من خلالها استعادة جمال الماضي، أو أن الاحتفاظ بها تدبير احترازي لمواجهة أزمة ما على حد زعمهم، أما البعض الآخر فيسعى إلى شراء مقتنيات أخرى ليس بحاجة إليها أو شبيهة بالمخزونة لديه. وهذا التكديس القهري له نتائج نفسية منها "اضطراب الاكتناز القسري" ما يدفع المريض إلى التمسك بما يقتنيه، ويسبب انهاكاً واستنزافاً لطاقته، وتحدث جراء ذلك مشكلات لا حصر لها لصعوبة اتخاذ قرار التخلص منها.

في هذا الصدد قال أ. د عبد الواحد مشعل، الأستاذ بعلم الاجتماع في جامعة بغداد، إن "الاكتناز القهري يأخذ مسلكين أساسيين، الأول نفسي والثاني هواية بجمع الأشياء الماضية اعتزازاً بها، إلا أنه مع الزمن يتحول إلى سلوك متكرر يلتقي مع المسلك الأول، فالأول يتعلق برغبة الفرد بالاحتفاظ بالأشياء القديمة، لأنه لا يريد أن يفرط بها، ولا يريد مغادرتها حتى تصبح لزاماً عليه - على سبيل المثال- الاحتفاظ بالصور أو الرسائل أو المقتنيات، إذ تعد جزءاً من شخصيته حتى يجد نفسه مرغماً على الاحتفاظ بها تحت ضغط نفسي، ليتحول إلى نوع من السلوك القهري الذي لا يتمكن صاحبه من الخروج منه". 

ويضيف مشعل لـ (الصباح) "يشعر المكتنز أنه إذا خالف هذا الأمر، يتوقع أشياء تخيفه أو يتوقع مخاطر إذا لم يقم بهذا السلوك، وكأنه سوف يحدث له أمر، يظهره أو أنه يجد أن الاحتفاظ بتلك الأشياء واجب يومي، حتى يتحول ذلك إلى جزء من نشاطه اليومي، وهناك أشخاص أو أشياء قد لا تشكل أهمية معينة إلا أنه يحسبها ذات أهمية ولا يريد التخلص منها، بالمقابل هناك أفراد نراهم دائماً سريعي التخلص من الأشياء التي يستخدمونها، وكلا السلوكين لا يخلو مما يمكن تسميته بالتطرف، أما المسلك الثاني فهناك أفراد يرغبون أولا عن طريق الهواية الاحتفاظ بأشيائهم القديمة عن طريق التوثيق، وقد يكون هذا السلوك عادياً، إلا إذا اتخذ المبالغة فإنه يتحول إلى سلوك قهري، وكل ذلك يرجع إلى عوامل تتعلق بالشخصية والجوانب النفسية أو بالتنشئة الاجتماعية التي نشؤوا عليها".


ترددٌ وحيرة

بدوره قال أستاذ علم النفس في جامعة المثنى خالد ماجد: إن "متلازمة الاكتناز القهري تعني أن الشخص يكون مهتماً بتجميع وتكديس كل الأشياء القديمة حتى وإن لم تكن هنالك حاجة لها، ولا يقوم بالتخلص منها مطلقاً"، مضيفاً أن "بعض هؤلاء يعتقدون أن كل شيء قديم ينفع للزمن، وهذه المتلازمة تصيب الكثير، فهم يشعرون بأزمة كبيرة عند الوصول لقرار يقضي بالتخلص منها". وزاد ماجد أن "إحدى الجمعيات الألمانية ذكرت، أن السبب في ذلك هو أن الشخص المصاب بهذه المتلازمة، يعاني من التردد والحيرة في حياته بشكلٍ عام في اتخاذ أي قرار، فضلاً عن شعوره بالقلق والاكتئاب". 

بينما تشير التقسيمات القديمة في الطب النفسي، إلى أن الاكتناز القهري، حالة مرضية وليس مجرد موروث ثقافي، والمتلازمة قد تكون جزءاً من مرض معين كالقلق أو الوسواس القهري أو إحدى إصابات الدماغ المختلفة.


خلافات

في السياق نفسه أشارت أ. د مروج مظهر عباس في كلية التربية للبنات، إلى أن "موضوعة الاكتناز والاحتفاظ بالمقتنيات القديمة، لا تشكل قيمة في الوقت الحاضر في ضوء المتغيرات الحياتية المتسارعة، وتغير أنماط السلوك المعرفي، وتوجهات الفرد باتجاه الحداثة التي فرضت اشتراطاتها". 

وأضافت عباس، "لا شك أن الاصرار على الاحتفاظ بالمستهلكات غير مجد، وإذا تصرف أحد أفراد الأسرة ضد تفكير المكتنز، تخلق توترات وانفعالات متبادلة ومشكلات لا تنتهي".   


أنتيكات

المواطنة سهى السامرائي (42 عاماً)، وجدت نفسها محاطة بكم كبير من الأواني والكراسات والأوراق والملفات القديمة وبعض الحاجات المنزلية كانت لها ذكريات لماضٍ رحل، تتذكر فيه تفاصيل حياة عاشتها، وبعد حين اكتشفت أن الاحتفاظ بالأشياء القديمة يخلق الفوضى ويجلب الطاقة السلبية إلى المنزل، وتخلصت منها جميعاً دفعة واحدة من دون الالتفات للخلف.

أما ربة البيت أم ليان فتبين، أنها تعشق الاحتفاظ بكل ما هو قديم وتراثي، لا سيما تلك المدفأة التي تسمى "علاء الدين"، الزرقاء التي ما زالت تستخدمها لإعداد الشاي. وأضافت "هناك بعض المقتنيات الخاصة بأيام المراهقة والجامعة منها القطع المتفردة ذات الدلالة، وقد خصصت لها ركناً في صالة المنزل، ونالت إعجاب كل الأقارب والأصدقاء، لأن فيها عبق الماضي وجمال الحاضر، فقد وظفت تلك الأشياء القديمة بطريقة جعلت منها تحفاً فنية تجلب 

الطاقة الإيجابية للروح".