محمد صادق جراد
لماذا غابت المعارضة البرلمانية عن العملية الديمقراطية في العراق طيلة السنوات الماضية بالرغم من معرفة الجميع بان المعارضة هي احد أقطاب الديمقراطية الأصيلة ؟ لو أردنا ان نكون صريحين سنقول بان إصرار الجميع على ان يكون شريكا في الحكومة والسلطة هو أهم أسباب غياب المعارضة البرلمانية إضافة الى غياب النضج السياسي لدى البعض وغياب ثقافة المعارضة . وإن هذا الغياب قد أضر كثيرا بدور البرلمان الرقابي، ففي كل برلمانات العالم توجد أغلبية برلمانية تدعم الحكومة، وتوجد في المقابل جبهة معارضة يكون واجبها تقويم عمل الحكومة ومراقبة الأداء التنفيذي من أجل أن يلعب البرلمان دوره الرقابي كأعلى سلطة رقابية في البلاد. ما حدث في التجربة العراقية، هو ان الكثير من مستلزمات الديمقراطية لم تتحقق، وفي مقدمتها عدم وجود هذه المعارضة البرلمانية الإصلاحية التي غابت لأسباب عديدة، أهمها رغبة الجميع بالمشاركة في الحكومة والبحث عن مكاسب ومغانم شخصية وحزبية وفئوية، فضلا عن غياب ثقافة القبول بلعب دور المعارضة، ولكن وبعد أكثر من تجربة ولأكثر من دورة برلمانية وبعد فشل المحاصصة والتوافقية أو ما يسمى بالشراكة الوطنية، نجد أنفسنا اليوم أمام أصوات تطالب بتشكيل هذه المعارضة .
ومن المعروف للجميع بان جميع الديمقراطيات الأصيلة في العالم تحرص على وجود معارضة سياسية تأخذ دور الرقيب والموجه لعمل الحكومات. ويختلف البعض في تعريفها، والسبب في هذا يعود إلى اختلاف هذا المفهوم بين طرف وآخر تبعا لإطاره السياسي وثقافته التي يستمد منها منظومته المعرفية. وهذا يسمح بظهور الكثير من الرؤى والآراء المختلفة التي يرى بعضها في تعريف المعارضة أنها قيمة سياسية ديمقراطية تفرض نفسها على أي عملية سياسية ناضجة تكون فيها المعارضة هي الوجه الآخر للحكومة والمرآة التي ترى هذه الحكومة أداءها من خلالها. ويضع البعض المعارضة في خانة معناها اللغوي ويضع تحت عنوانها كل من عارض أو اعترض على الواقع القائم، دون النظر إلى أهداف هذه المعارضة أو بنيتها.
ويرى البعض أن تاريخ الأحزاب المشاركة في العملية السياسية والموروث السابق لها يجعلها تتخوف من الانخراط في هذا الدور الذي قد مارسته سابقا عبر معارضتها للنظام السابق وعبر عقود من التهميش والتهجير والخوف وتقديم التضحيات.
ولا بد هنا من التمييز بين الدورين، فالمعارضة في زمن النظام السابق كانت تقوم بها قوى سياسية لا تؤمن بالنظام السياسي آنذاك وتعمل على تغييره وإسقاطه لأنه كان لا يمثل إرادة الشعب بل كان يتسلط على رقاب أبنائه في أسوأ أنواع الديكتاتوريات في المنطقة. أما المعارضة الحالية فهي نابعة من العمل الديمقراطي داخل العملية السياسية مع اعتراف بشرعية النظام السياسي الحاكم والعمل على تقويمه خدمة للمصلحة العامة.اخيرا نقول باننا نتمنى ان تكون هناك مساعٍ حقيقية لتاسيس معارضة ايجابية تسهم في تصحيح المسار في العمل السياسي العراقي.