نجلة (نخلتنا)

الرياضة 2024/09/11
...

د عدنان لفتة



بين نجلة ونخلة نقطة واحدة، ترتفع من ركام الأرض وانفجاراتها السوداء إلى علياء السماء البيضاء المكللة بالإرادة وتحدي المستحيل، وعدم الوقوف على أطلال اليأس والدماء والخراب. 

نجلة عماد رمز نساء العراق الصابرات، صانعات الحياة والأمل، أمهاتنا وأخواتنا اللواتي حرثن الأرض من أجل هيبة بلاد الرافدين، قيادة البيت والعائلة في كل أيامنا الملطخة بالحروب العبثية الطويلة، وحصارات خبز الشعير الأسمر والعيش تحت طائلة العقوبات الدولية والعزلة عن العالم. 

نجلة التي عاشت طفولتها المريرة تحت عجلات سيارة مفخخة استهدفت والدها المواطن البسيط، فأجهزت على نصف جسدها الأيمن،  ليس لها من يد أو قدم أو ركبة، تعايشت مع يد اصطناعية بلاستيكية وقدم حديدية، تحمل كل القوة والعنفوان، بسبب روحها الدافقة بنبض الوطن ورفض الخنوع والرضوخ إلى مخططات المجرمين أعداء الإنسانية. 

نجلة الطفلة اليافعة تعلمت القوة من والدها البطل الذي غرس فيها حب كرة الطاولة، ووجد فيها ملاذا يعوض فلذة كبده عما قاسته من الأهوال، تتدرب على حائط كونكريتي في بيت متواضع بمدينة ديالى عروس العراق الصامدة. 

نجلة تدرجت في تعلم فنون كرة الطاولة حتى باتت تشارك مع فرق اللجنة البارالمبية، منذ سنوات نشأتها الأولى حتى وصولها إلى عالم الإنجازات والخلود في مشاركتها التاريخية في بارالمبياد باريس، التي سطرت فيها أعظم الملاحم وهي تتجاوز منافساتها من أكبر دول العالم، لتعانق الوسام الذهبي في أكبر إنجاز نسوي عراقي على مدى التاريخ. 

ابتسمت بكل معاني القوة وهي تنتصر على منافستها الأوكرانية، ابتسمت ونشيد وطننا الحبيب يعزف تخليدا لبطولتها الفذة، يالها من بطلة، يالها من نخلة عراقية نفخر بعطائها وحصادها الرائع. 

نجلة اليوم تستحق أن تحظى بأكبر تكريم عرفته وتعرفه الرياضة العراقية، رئيس الوزراء الشجاع محمد شياع السوداني يستقبلها استقبال الأبطال ويخصص لها ما تستحقه من مكافآت وهدايا، عرفانا لصورتها كنموذج عراقي مشرق، وكامرأة بطلة تحدت كل الصعوبات لتعانق المجد والعلياء،  وكرياضية تسجل أكبر إنجاز تاريخي لبنات العراق لا سابق له ولا مثيل. 

إنها النموذج الذي يملؤنا قوة بقصة النجاح التي روتها بدمائها وصبرها وتضحياتها، تحملت كل شيء من أجل هذا اليوم العظيم الذي باتت فيه نجلة على كل لسان، يدعو لها الجميع بالخير والسعادة للبشائر التي أهدتها لبلدنا، متفوقة على قريناتها الأكثر منها استعدادا وتحضيرا ودعما ماليا ومعنويا .

نجلة.. نخلتنا العملاقة تمنحنا كل المعنويات وتزرع فينا حب الوطن والإصرار على تحمل كل الصعاب لأجل بلدنا الغالي،  تستحق منا تكريما رفيعا ووساما وطنيا فائقا، وتمثالا يوضع في أكبر الشوارع والأمكنة، تخليدا لنضالها ومنجزها، وفيلما سينمائيا أو مسلسلا يحكي قصة كفاحها وحياتها التي كانت مهددة بالفناء بمفخخات الإرهاب وإجرامه، لكنها أوقدت شمعة للحياة والنجاح والتفوق، كاتبة صفحة مجيدة من تاريخ الوطن 

مكتوبة بأحرف من ذهب.