ليس سهلاً الفن الذي يسعى لاسعاد الناس وامتاعهم، وليس بسيطاً الفنان الذي يتخذ من الكوميديا وسيلة للتنوير والامتاع؛ لذا حظت الكوميديا عبر سنوات الابداع الانساني بالاهتمام والمتابعة، هناك من وهبه الخالق قدرات وحضور في هذا الفن؛ فسعى لتكريسها في عمله ويحرص على تطويره بالانتقاء والاختيار للمواضيع والحكايات وأسلوب العمل وبناء الكاركتر، وحين نستعرض نجوم الكوميديا في العالم تشخص أمامنا أسماء وصور، منها السينمائي ومنها المسرحي ومنها التلفازي، أحياناً نحرص على متابعة أفلام سينمائية أو مسلسلات تلفازية لانها تحمل اسم فنان بعينه، هذا الفنان الذي نحرص على متابعته حقق لدينا مصداقية وحضوراً منحاه الافضلية في المتابعة والاستمتاع
، مازلنا حتى يومنا هذا نتابع بمتعة وشغف أفلام شارلي شابلن الصامتة، ما زلنا حتى يومنا هذا نستمتع بأداء الراحل سليم البصري وصرنا نعرفه باسم الشخصية التي استحوذت على اهتمامنا وأسعدتنا (حجي راضي) اكثر من معرفتنا باسمه الحقيقي، الشواهد كثيرة وزاخرة في الذاكرة الجمعية للمتلقين، هناك من الفنانين من يحترمون هذه الموهبة وهذا الحضور فيسعون لتقديم أنفسهم بأشكال جديدة ومتطورة بالقراءة والمتابعة والاجتهاد
، وهناك من يكتفي بالموجود ويشتغل عليه، بل ويستهلكه في أعمال وعروض هابطة ومكررة، ولنا هنا أن نتوقف عند اسم فني عربي استطاع منذ فترة أن يثبت حضوراً ويؤكد وعي الفنان واجتهاده، عرفناه من خلال أعمال كوميدية ترفيهية نضحك معها ونستمتع ثم ننساها، فنان وجدنا فيها تداعيات لتأثرات بأسماء فنية عالمية من خلال طريقة الاداء والتقليد مع الباسها ثوب البيئة، البرنامج الدرامي (طاش ما طاش) تعودنا وجوده في كل رمضان وكنا نتوقع ما سيحصل وننتظر أن نستمتع بهذه الدقائق الترفيهية ثم
ننسى!!
الذي حدث ان هذا الفنان العربي ناصر القصيبي، أدرك بوعي وحرص أهمية ما يقدم ومدى تأثيره في المتلقين، لاسيما في شهر رمضان الفضيل؛ فعمل على تغيير آلية اشتغاله، وكأنه أراد أن يمد وشائج حقيقية مع جمهور واسع في العالم العربي، الذي تضطرب فيه الحياة وتعصف بمجتمعاته التقلبات وتهب عليه رياح شتى تسعى لقلع جذوره أحياناً وتشويه تأريخه وخلخلة مفاهيمه وبنيانه الفكري والاجتماعي، ولان القصيبي يدرك أن الفنان ضمير أمة وصوت مجتمع حر سعى للتغيير فأبدل آلية الاشتغال التقليدية المهادنة بآلية اشتغال فنية قائمة على الفهم والقراءة الوافية لما يدور حوله من قضايا الناس والمجتمع؛ إذ ما عادت برامج هدفها الترفيه ترضي موهبته ووعيه وطموحه فخرج بأعمال تشي بنضجه واجتهاده وحرصه على أن يكون ضميراً واعياً لناسه وليس بوقاً لاكاذيب، لذا جاء عمله “العاصوف” في جزئيه الاول والثاني ليقدمه لنا ممثلاً من طراز مغاير، ممثلاً ومشرفاً على المسلسل وهذا يعني أن له اليد الطولى في الاختيار، بدءاً من الرواية التي تم اعدادها وترصينها درامياً الى تنفيذ العمل بكليته وصولاً الى ترويجه وتسويقه ومواجهة ردة فعل قاسية لمن يحرص على أن تبقى بعض الامور طي الكتمان وبعيداً عن مسقط
الضوء!!
لذا لابد من توجيه التحية الى هذا الفنان الكبير ناصر القصيبي، الذي خرج من معطف الكوميديا الى منطقة الدراما الاجتماعية الرصينة والهادفة، والتي ألقت السياسة ببعض من تداعياتها عليها ولكن بحرفية الايجاب الباني وليس المشوه الهادم، ورغم بعض الهنات التي شابت مسلسل “العاصوف” ايقاعياً وتركيبة مشهدية ومعالجة لاحداث مهمة ومفصلية الا أن المسلسل وجد له من يتابعه بحرص ومتعة ورغبة في المعرفة لتأريخ بلد عربي عريق له حضوره ومكانته وثقله الاجتماعي والديني والسياسي، “العاصوف” مسلسل خرج من معطف ممثل كوميدي كبير الى عالم الدراما الناضج والهادف ليشكل علامة متميزة في خارطة الدراما الرمضانية لموسمين متتاليين، شكراً لصناع الحياة الابداعية شكراً لناصر القصيبي فقد أحسن الابحار في عمق
اللجة..