تعد الفعاليات الثقافيَّة في مختلف أنواعها وتوجهاتها حالة صحية لدرء الغشاوة التي تتلبّس شريحة واسعة من الشباب الذين يتطلعون إلى ثقافة غنية تمثلهم وتعينهم على المضي في درب التغيير الفكري.. ويعد معرض بغداد الدولي للكتاب واحداً من أبرز النشاطات الثقافيّة الكبرى في البلاد وينتظره المجتمع العراقي بكل تنوعاته.
الكثيرون عدوا معرض بغداد الدولي للكتاب بدوراته الـ 25 صورة مشرقة تسهم بإعلاء قيم الثقافة وتمكن الجيل الجديد الذي يهتم بالمحافل الثقافيّة في تطوير ملكاته لبناء العراق الجديد.
وقال الدكتور حسن مظفر لـ "الصباح" إنّ "المعرض يشكل وجها من وجوه تعافي الثقافة العراقية، ويلعب دوراً مهماً في المشهد برمته، وهو أيضاً فرض نفسه كمكانة متميّزة في سوق الكتب وفرصة لخلق تداخل بين ثقافات الدول العربيّة، كما أنّه يُعزز الاتصال المباشر بين الكُتاب والقرّاء من جهة وبين النخبة والجمهور المحُب لهذه
المناسبات."
أما الكاتب والناقد الدكتور محمد غازي الأخرس فبيّنَ مدى تطور المشهد الثقافي وتأثير هذه الأنشطة على الشارع العراقي: "نعم، هناك انتقالة كبيرة في نوعية الجمهور وعملية الكتب الشرائيَّة هذا العام والعام السابق والذي سبقه. العراق يحرز تقدما في الترتيب العربي، وهو البلد الثاني بعد مصر، في الاهتمام بالصحافة الورقيَّة والكتب متخطين سوريا ودول الخليج. وهو يواجه تحدياً كبيراً في الوقوف ضد شياع ثقافة التفاهة التي تظهر لنا في منصات التواصل
الاجتماعي".
ويعود الأخرس للقول: نحن نعيش فترة ذهبيَّة في نهضة الواقع الثقافي العراقي ومعارض الكتب لكنّه ما زال يحتاج الكثير من التطوير، لكنني متفائل، ففي هذا العام رأينا عدداً غير قليل من الشباب والجيل الجديد تجاوزوا طموحات التقاط الصور الفوتوغرافية ومشاركتها على مواقعهم الشخصيّة.
رأيت عدداً كبيراً يقتني الكتب بشغف واضح، وآخر لا يقل عنه مهتم بلقاء كبار الكُتّاب وإجراء أحاديث سريعة معهم.
في بلدٍ يواجه تغيرات واضحة في بنيته المجتمعيّة يحدث أن نرى شرائح متعددة من المجتمع تتواجد في أماكن مثل هذه، بالإضافة إلى تواجد المرأة العراقيّة الذي يُعدّ مؤشراً حسناً يعكس مدى نجاح هذه المحافل، ويقول الباحث والكاتب عبدالهادي مهودر: كنت حاضراً منذ اليوم الأول في حفل افتتاح معرض بغداد الدولي للكتاب الأسبوع الماضي، ولفت نظري شعار "العراق يقرأ" واعتبرته تحدياً صعباً للمشرفين عليه في ظل ما يقال عن تراجع سوق الكتاب وزوال الكتاب الورقي أمام الكتاب الإلكتروني وغير ذلك مما نسمعه عن عزوف وخسائر دور الطبع والنشر والتوزيع، لكن ما شاهدته بالعين المجرّدة في اليومين الثاني والثالث وما بعدهما أعادني مجدداً إلى حقيقة أن أحب مكان للعراقيين هو معرض الكتاب وأسواق الكتب، وأن العراقي يشتري ويقرأ ولكلّ جيل كتبه واهتماماته وفقاً لاختلاف الأعمار والخبرات والمستويات والتخصصات، مثلاً بعض القرّاء من كبار السن لا يمكن أن يعودوا لقراءة القصص والروايات كما في بدايات حياتهم، لكن الجيل من الأعمار الصغيرة والشباب تستهويهم هذه الكتب فضلا عن الاصدارات الحديثة ذات العناوين المشوّقة، ولا يمنع العراقي والعراقية من شراء المزيد من الكتب غير الأسعار المرتفعة، وكم أتمنى لو تباع الكتب بأسعار أرخص وحينها سنرى العديد منها يباع ويحقق الناشر أرباحاً بكثرة الإقبال والطلب المتزايد، وفق القاعدة التجارية المعروفة (الربح القليل الدائم خير من الربح الكثير الزائل)، وهذه الموجة الشرائيَّة المحمودة يجب أن تشجّع بتخفيض الأسعار قدر الإمكان ليبقى سوق الكتاب مستمراً يقاوم التحديات الصعبة ويحقق النجاح المطلوب سنويّاً وفي جميع المعارض العراقيَّة الوقتيَّة
والدائمة.
وترى الباحثة والأكاديمية موج يوسف أنَّ هناك ثمة ما يميّز هذه الدورة عن سابقتها من دورات بغداد الدولي للكتاب الظهور في المحافل الثقافيّة ملفتُ للانتباه النساء حاضرات بكامل أناقتهن كما لو أنهن ينحدرن من أرقى الطبقات الاجتماعية. يبدو هذا واضحا من أنواع عطور الماركات وهي تفوح من ثيابهن.
والجدير بالذكر أنّ السيدات والآنسات ممن يعملن في دور النشر والهيئات الاعلاميّة والتنظيميّة داخل معرض بغداد الدولي للكتاب بدا حضورهن ملفتاً، جاء كما لو أنّه تعزيز لدور المرأة ودليل عن وعيها وإسهامها في تنشيط المشهد الثقافي
العراقي.