الأفغانيات والاضطرار للدراسة خارج البلاد

بانوراما 2024/09/23
...

 ستيفاني غلينسكي

 ترجمة: بهاء سلمان

شعرت “حسينة” بالارتياح في اللحظة التي عبرت فيها الحدود باتجاه ايران؛ بعدما حظرت حركة طالبان دراسة الفتيات في الجامعة، رغم أن حسينة طالبة في كلية الطب. وتسعى الآن لمتابعة دراستها في العاصمة الإيرانية. وتقول: “كنت خائفة من أن تمنعني سلطات كابل من المغادرة”. فقبل سنة تقريبا، منعت السلطات الحكومية مئة طالبة أفغانية من الصعود على متن طائرة متوجهة إلى دولة الامارات، لأجل تبوأ مقاعد دراسية في جامعاتها، بعدما حصلن على منح دراسية إماراتية.

وكنوع من الاحتراز، غادرت حسينة بتأشيرة سياحية إلى إيران. وتركت البلاد مصحوبة بوالدها، كعائلة ذاهبة في زيارة، إلا أن الأب عاد بمفرده إلى كابل. حاليا، ثم تم لاحقا تقييد حسينة ضمن سجلات الجامعة الايرانية للعلوم الطبية في طهران، متابعة دراستها لتصبح طبيبة جراحة.

ويواصل أكثر من اربعمئة ألف طالب أفغاني، غالبيتهم من النساء، دراستهم في الجامعات الايرانية، بحسب وكيل وزارة العلوم الايرانية للشؤون الخارجية، “وحيد حديد اسل”. كما تم تسجيل أكثر من ستمئة ألف طفل أفغاني في مدارس البلاد، وفقا لبيانات مجلس اللجوء النرويجي، موضحا بوجود امكانية لتسجيل هؤلاء اللاجئين في المدارس الحكومية الايرانية بغض النظر عن وضعهم القانوني بسبب تنفيذ قرار حكومي صدر سنة 2015.

يقول “محمود فرزنده”، سفير إيران لدى ألمانيا: “تعد قضية التعليم، وخصوصا بالنسبة للنساء، ذات أهمية كبرى؛ وأبواب الجامعات الايرانية مشرّعة للنساء والفتيات الافغانيات اللاتي تم حرمانهن من التعليم.”

ومن الصعب تحديد أرقام دقيقة للأفغان المقيمين في إيران، حيث إن العديد منهم قد عبروا الحدود من خلال نقاط حدودية غير رسمية. وتشير التقديرات إلى أن نحو مليون أفغاني قد فروا إلى ايران منذ سيطرة حركة طالبان على مقاليد الحكم في آب 2021. وغادرت الأسر الافغانية البلاد لأجل ضمان مواصلة أولادها الدراسة؛ وما زال هناك ما لا يقل عن مليون ونصف المليون فتاة افغانية خاضعة لحظر التعليم.


تقارب الثقافات

ومع وجود لغة مشتركة والكثير من التشابه الثقافي، صارت ايران بمثابة الملاذ الأخير للعديد من النساء الافغانيات العازمات باصرار على اكمال دراستهن. ووفقا لبيانات البنك الدولي، تصل نسبة من يعرفن القراءة والكتابة بين الاناث الايرانيات إلى 85 بالمئة، بينما النسبة في افغانستان تصل تقريبا إلى 23 بالمئة، برغم الانفاق الهائل للاموال على قطاع التعليم طيلة العشرين عاما التي أعقبت الغزو الاميركي للبلاد.

الدراسة في الجامعات الايرانية ليست رخيصة الثمن، بحسب حسينة؛ لأنها تدفع مبلغ 4500 دولار سنويا، كسعر تم تخفيضه؛ وتجاهد عائلتها لجمع تلك المبالغ، لكنها مصممة على دعم تعليم ابنتها.

تقول حسينة: “أنا افتقد عائلتي وبيتي، وأتمنى يوما ما أن استطيع العودة. ومع ذلك، لا يوجد هناك شيء بمقدوره تعويض السنوات التي مرت بسبب حرب أفغانستان وتأثيرها على النساء الافغانيات، وانا من ضمنهن، مضيفة انها مندهشة لملاحظة الفوارق الهائلة للأمور بين بلدها والمهجر. “النساء موجودات داخل كل مكان في ايران، من اساتذة الجامعات والطبيبات والموظفات.. الأمر يشعرني بالذهول.”“هيثر بار” تشغل منصب مدير في منظمة حقوق الانسان، لا ترى أية إشارة لتطوّرات ايجابية فيما يخص حقوق النساء في افغانستان، وتضيف: “تقوم طالبان بتوسيع اجراءاتها المتشددة، وهذا الحال يمتد ليشمل التعليم خارج افغانستان أيضا”.

مشكلاتٌ مجتمعيَّة جديدة

يعبّر العديد من الايرانيين عن قلقهم من الأعداد المتزايدة للأفغان الداخلين إلى بلادهم، مع ورود تقارير متكررة من الأفغان بمواجهتهم لتصرّفات سلبية تعكس مشكلات اجتياز الحدود بين البلدين. كما وردت أيضا أخبار عن حصول حالات إعادة قسرية على الحدود. ومع ذلك، هناك امكانية لإيران للحصول على فائدة من التدفق الافغاني، مع تراجع نسبة النمو السكاني إلى ما دون واحد بالمئة خلال سنة 2022، هابطا من نسبة أكثر من إثنين بالمئة خلال سنة 2015. كما أن الطلبة الأفغان الذين تم قبولهم ضمن الجامعات الايرانية يساهمون أيضا بأموالهم في تعزيز الاقتصاد الايراني، ومن الممكن أن يساهموا في تحريك سوق العمل خلال المستقبل القريب.

وصلت “فرزانة”، البالغة من العمر 23 سنة، إلى طهران قبل أربعة اشهر، مصحوبة بشقيقها. وتواصل دراستها في فرع الاعلام ضمن كليات “جامعة العلامة الطباطبائي”، ويحدو هذه الفتاة الأمل يوما ما بأن تعود إلى بلادها وهي تستطيع تغطية أحوال افغانستان بشكل عام.

تدفع فرزانة نحو ثمانمئة يورو سنويا كرسوم دراسية، تموّلها من خلال شغلها أكثر من وظيفة بدوام جزئي. كانت الرسوم الدراسية قليلة في كابل، قبل سقوط حكومتها المدعومة من الولايات المتحدة، حيث كانت هذه الفتاة في السابق تدرس ضمن جامعة كابل، لكن حركة طالبان التي تسلمت الحكم من قبل الولايات المتحدة، اوقفت الدراسة الجامعية للنساء، وخرجت فرزانة من الدراسة. وحاولت على مدى عامين لإيجاد وسيلة تواصل بها دراستها، ليتم قبولها في نهاية المطاف مع حلول هذه السنة الدراسية ضمن إحدى جامعات

طهران.

“ترغب غالبية النساء حاليا بمغادرة افغانستان لأجل الحصول على فرصة دراسية خارج البلاد. أنا ادرس كي أجعل عائلتي ووالدي يشعرون بالزهو، بيد أنني افتقد رفيقاتي وبلادي. أتذكر تلك الايام التي كنا نشعر فيها بالسرور والسعادة سوية،” بحسب فارزانه.


صحيفة الغادريان البريطانية