الإسلامويون والتلاعب بالغرب

بانوراما 2019/06/21
...

جيمي غلازوف
ترجمة: بهاء سلمان
(عرض لكتاب المؤلف "جوشوا سيناي": "الجهادي المضطرب عقليا: كم هو يفتننا ويغوينا ويلتهمنا")
 
هذه رواية مشوّقة ومهمة لكيفية انقضاض التفوّق الإسلاموي على الغرب، وبضمنها الولايات المتحدة، من خلال توظيف ستراتيجيات وتكتيكات مخادعة ومريضة لأجل "إفتراس" الحضارة الغربية، مثلما يحاول فرد مصاب بمرض نفسي اصطياد وخداع فريسته المطمئنة والساذجة.
وكما كتب "مايكل ليدين" في مقدمة الكتاب، أنه من خلال مثل هذا المنهاج النفسي المخادع تمكن المسلحون الجهاديون "من إقناع ضحاياهم المستهدفين إن الحرب الدينية-السياسية بين العالمين الإسلامي والغربي، هي ذنب الغرب، وان "ستراتيجيتنا"  الأفضل هي الاستسلام."
المؤلف الذي يعمل محررا لدى مجلة "فرونتبيج"، في موقع يؤهله لتحليل هذه القضايا، وكيفية اظهار هذه التهديدات لنفسها لدى المجتمعات
الغربية. 
عن طرق المضطربين عقليا، توضح "مارثا ستاوت"، مؤلفة كتاب يتعلق بسايكولوجيا الأمراض النفسية، أن هذه الطرق تتألف من "لعب بطاقة الشفقة لجعل الناس يعطون الفرد المتطرف الديني ما يريده، فيصل الى هدفه من خلال منح الناس له السلطة المطلقة على أرواحهم."
ما يجعل المريض النفسي شيئا خطرا للغاية هو "عدم تحملّه أبدا مسؤولية أي تصرّف من تصرّفاته، والأهم، هو عدم اظهاره الأسف لما يفعله مطلقا؛ فهو دائما ما يتظاهر بكونه الشهيد الذي لا قيمة له، ويبدي سخطا أخلاقيا لا متناهيا حيال مظلوميته، وهي تهمة مصاحبة لاتهاماته الأبدية ضد 
الضحايا."
ويرى المؤلف أن "نجاح المريض النفسي بصياغة وتجاوز النظرة العالمية لضحاياه "المستعبدين" من خلال الهيمنة والتهديد والترهيب، قدم أسلوبا غربيا عقيما لمواجهة الإرهاب الاسلاموي لدرجة أدت الى استسلامنا الحالي لعدو إستبدادي شرير مع مكاسب لتفوّق إسلاموي أثناء الحرب ضد الإرهاب بنسخة إضافية لإسلوب يتمكّن من خلاله المريض النفسي من الاستيلاء على فريسته 
وهزيمتها."
 
تصويرات مغلوطة
ينقسم الكتاب الى ثلاثة أجزاء، موضحا كيف أن الحركات التي تمثل "التفوّق الإسلاموي"، مجسدة بشكل تراكمي الشخصية المريضة نفسيا، تستغل ديناميكية ضحية المريض النفسي لكي تكون لها اليد العليا في إضعاف حرب الغرب ضد الإرهاب الإسلاموي. 
وتناقش الفصول الواقعة ضمن الجزء الأول، "الإغواء"، نجاح الإسلامويين بإقناع خصومهم الغربيين بما يسمى "عدم النظر الى الإسلام، وعدم سماع الإسلام"، حتى عندما يكون المهاجمون ضدهم، من أمثال تنظيم القاعدة و"داعش"، منساقين وراء مهمة انجاز "وصايا جهادية" لإستهداف خصومهم
المرتدين.
وفي ما يطلق عليه المؤلف مصطلح "حالة رفض الجهاد"، حتى عندما "يقوم الإرهابيون المتشددون باقتباس نصوصهم الإسلامية لتبرير افعالهم الوحشية، نرى أنها ليست بسبب الإسلام، فقد عرفنا أن الإرهابيين عبارة عن أقلية صغيرة جدا من المسلمين الذين اختطفوا دينهم ولم يفهموه؛ فهم بالتالي ليسوا مسلمين حقيقيين."
وتظهر فصول الجزء الثاني المعنونة: "الرقص مع جهادي مضطرب عقليا"، طرقا للإختلال العقلي وظّفها الإرهابيون لتصوير أنفسهم بأنهم "ضحايا أبديون" لظلم الآخرين. 
ولهذا السبب ينظر الإرهابيون للتمدن والإبداع الغربي بأنه "كفر"، لأن الثوابت الإسلامية تقرر وجوب تسامي الفرد بنفسه مع روح الجماعة، بما يستحيل عليه التعبير عن نفسه كفرد." 
هذا الحال يفسر وضع المسلمين الأصوليين المتشددين القاطنين في الغرب اللوم على "الليبرالية" و"التعددية" كونها عوامل تسهم بانعزالهم عن مثل هذه المجتمعات، بسبب أنهم "اجبروا" على الشعور بعدم الارتياح من ممارستهم ثقافاتهم التقليدية والمناهضة لمساواة المرأة وهي ثقافة تهيمن عليها التعاليم الدينية المتشددة داخل مثل هذه المجتمعات 
المنفتحة". 
تنظيم هجومي
أما فصول الجزء الثالث، "الإفتراس"، فتناقش كيف نجح المتطرفون المضطربون عقليا بالسيطرة على خصومهم الغربيين من خلال ثلاثة مستويات من الهجوم: الأول ما يطلقون عليه اسم "الجهاد الإسلامي"، وهي هجمات إرهابية تشنها تنظيمات، مثل: القاعدة و"داعش"، ثم الجهاد الشبحي، وهي وسائل تكتيكية غير عنيفة تستخدم للخداع وغسل الدماغ، مثل: اتهام منتقديهم بالتورط "بالإسلاموفوبيا"، وإعاقة منتقديهم من التحدّث في الأماكن العامة، وإتهام منتقديهم بخدعة "طالبي اللجوء" من دول الصراع مثل سوريا، كونها مدفوعة من قبل عنصريين مناهضين للمسلمين. أما المستوى الثالث فهو ما يسمى "الجهاد الدولي المؤسساتي"، عندما تستفيد الدول الإسلامية من المنظمات الدولية، كالأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، عبر الضغط على تجريم "قول الحقيقة" عن الإسلام من خلال قوانين العقوبات
الدولية.وبالوصول الى خاتمة الكتاب، يطرح المؤلف بحكمة توصيات لهزيمة وتفكيك الوسائل التكتيكية و"الأسلحة" المستخدمة من قبل الإرهابيين المضطربين عقليا، إذ يشير الى ضرورة "كبح إدماننا على ذلك المنظور المرضي، الذي فرضه علينا "التحالف غير المقدس". كما ينبغي أيضا ملاحظة إن مثل هؤلاء القادة المرضى عقليا يميلون الى الهيمنة على طيف كامل من الطوائف الدينية والسياسية والمجاميع الإرهابية حول العالم إذ يمكنهم ممارسة سيطرتهم العقلية المرضية على أتباعهم، ولذلك لا تبدو هذه الظاهرة مقتصرة فقط على المتطرفين الإسلاميين.
من خلال التوسع بنموذج ديناميكية المريض النفسي– الضحية في حالة المرضى النفسيين من الإرهابيين، والذي يمكن توظيفه لتوضيح كيف تشتغل هذه الظاهرة المقلقة بشكل عام، يعد هذا الكتاب مرشدا أساسيا لفهم الإجراءات اللازمة لاستيعاب ومجابهة طرق الإستيلاء المخادعة المستخدمة من قبل المتشددين في الغرب، وبضمنهم تنظيم الإخوان المسلمين، علاوة على جميع أنواع الإرهاب المقاد بايديولوجية متطرفة عموما، والمجتمعات المحلية التي تسانده وتديم وجوده.
 
* جوشوا سيناي يعمل مستشارا بمكافحة الإرهاب وقضايا الأمن الوطني في واشنطن