هل تقف إيران وراء حادثة خليج عمان؟

بانوراما 2019/06/21
...

إليوت هيغنز 
ترجمة: أنيس الصفار 
أثارت الادعاءات الاميركية بأن إيران هي من نفذ الهجمات التي تعرضت لها ناقلتا نفط وسط خليج عمان يوم الخميس 13 حزيران موجة واسعة من السخرية في شتى انحاء العالم.
نفت إيران التهمة عن نفسها، وعلى موقع تويتر أخذت تتردد عبارة "خليج تونكين" مرافقة لعبارة "خليج عمان". هذه الغمزة التاريخية منبئة وتنطوي على مغزى لا يخفى، فهي اشارة الى "حادثة خليج تونكين" (حين اتهم الفيتناميون الشماليون بمهاجمة المدمرات الأميركية في ذلك الخليج سنة 1964) والتي تذرع بها "لندون جونسون"، الرئيس الاميركي آنذاك، لإقناع الكونغرس بمنحه صلاحية زج الجيش الاميركي بشكل أوسع الى فيتنام. وبعد البحث والدراسة خلص المؤرخون الى ان ذلك الهجوم لم يقع مطلقاً. اليوم، ينظر الى خدعة جونسون بوصفها مثالا نموذجيا على اطلاق عملية عسكرية بالاستناد الى إنذار زائف.
مع تفاقم التوترات المحيطة بالمنطقة عقب مهاجمة اربع ناقلات نفط قبالة ساحل الامارات العربية خلال شهر أيار الماضي غدا من الأهمية بمكان استيعاب ما الذي يجري وعلى من يقع اللوم. ترى هل يصبح هجوم خليج عمان نسخة القرن الحادي والعشرين من حادثة "خليج تونكين"؟
 
بيانات المرسل
بفضل الانترنت والمدى الواسع من المعلومات المتاحة لمن يريد اصبح تأكيد أو نفي وقوع أية هجمات اسهل كثيراً، مما كان في أعوام الستينيات، ومسافة آلاف الكيلومترات لم تعد تعني شيئاً في يومنا. فالوسائل والمعلومات، مثل صور الأقمار الاصطناعية، التي كانت ذات يوم حكراً على وكالات المخابرات صرنا نجدها اليوم على أي محرك بحث مثل "خرائط غوغل". ومواقع التواصل الاجتماعي تسمح للناس بتبادل المعلومات من شتى اركان المعمورة.
قواعد البيانات، الحاوية لجميع أنواع المعلومات، مباحة اليوم للناس بلا استثناء حول العالم، ومن خلال هذه القواعد يمكننا أن نبدأ تحرياتنا لمعرفة ماذا حدث في خليج عمان.
ذكرت التقارير الأولية التي أوردت الحادث ان اسمي الناقلتين اللتين تعرضتا للهجوم هما "كوكوكا كوريجس" و"فرونت ألتاير"، فكيف نستطيع التحقق من صحة الاسمين ونحن نبعد آلاف الأميال وليس هناك مراسلون؟ توجد مواقع متخصصة بمتابعة حركة المركبات البحرية على الانترنت، وهذه المواقع تلتقط ما يسمى "بيانات المرسل" التي تبثها آلاف السفن على اختلافها، من قوارب الصيد الى السفن عابرة المحيطات، الى جميع انحاء العالم لحظة بلحظة، وهذا يسمح لنا باقتفاء أثر اي قارب أو سفينة وتحديد موقعه متى ما أردنا. وهكذا أمكن العثور على موقعي "كوكوكا كوريجس" و"فرونت ألتاير" عبر موقع على الانترنت اسمه "مارين ترافك"، الذي أظهر أن كلتا السفينتين متوقفتان تماما وسط خليج عمان. كذلك نشر الموقع على حساب تويتر مسار كلتا السفينتين حين قطعتا الخليج.
تقارير الهجمات سرعان ما أعقبتها صور زعمت انها تظهر وجود أضرار على السفينتين، مع نشوب حريق كبير من الناقلة "فرونت ألتاير". كان من المستحيل قراءة العلامات والاشارات المميزة على أي من السفينتين عبر تلك الصور، لكن مستخدمي موقع "مارين ترافك" استطاعوا تأكيد أن السفينتين اللتين تظهر انهما الصور مطابقتان من حيث التصميم والشكل للناقلتين المشار اليهما، لأن مستخدمي "مارين ترافك" يقومون بتصوير السفن والمركبات البحرية ثم يتبادلون الصور عبر مواقع الانترنت، بذا يمكن لمن اراد رؤيتها أن يجري مطابقة بين المركبة الظاهرة في الصورة والسفينة التي ينشدها للتحقق إن كانت هي بالفعل "فرونت ألتاير".
على النحو ذاته ينشر موقع اسمه "سنتنيل هاب" صوراً ملتقطة بالأقمار الاصطناعية، وفور الاعلان عن حادثة خليج عمان ظهرت صور الناقلة "فرونت ألتاير" والنيران مشتعلة فيها.
بذا تكون الواقعة نفسها قد تأكدت، ويأتي السؤال التالي: ما الذي حدث للسفينتين؟ 
 
الجواب الأميركي
أعطت القيادة المركزية الاميركية اجابة على هذا السؤال من خلال نشر تصريح يتضمن تفاصيل متعلقة بطبيعة النشاطات الدائرة حول الناقلتين، كما رصدتها قوات البحرية الأميركية قرب منطقة الحادث.
وردت ضمن التصريح صور للناقلة "كوكوكا كوريجس" (تم تدقيقها أيضاً بالرجوع الى صور أخرى للسفينة من اجل التحقق من هويتها) تظهر وجود ثقب على جانب السفينة بالاضافة الى جسم عالق بالبدن وصفه التصريح بأنه "ربما كان لغماً لاصقاً".
الى جانب التصريح والصورة نشر شريط فيديو يظهر فيه ما زعم انه زورق دورية من فئة "غاشتي" تابع "لحرس الثورة الاسلامية" وهو يعمل على ازالة لغم ملتصق ببدن "كوكوكا كوريجس"، وتلك دلالة فهم منها أن إيران هي التي وضعت اللغم وانها الآن تعمل على إزالة دليل تورطها.
نظراً للأهمية السياسية وللمصدر الذي جاء منه التصريح يصبح من الضروري التحقق من هذه الادعاءات. فما الذي يمكننا رؤيته فعلياً من الدليل الاميركي بخصوص حادثة خليج عمان؟
كانت العلامات والاشارات الظاهرة على جانب "كوكوكا كوريجس"، فوق موقع اللغم اللاصق المزعوم، بادية على الصور وكذلك شريط الفيديو الذي يصور عملية الازالة المنسوبة الى زورق الدورية الإيراني. 
هذا النوع من زوارق الدورية سبق أن أظهرته صور ومقاطع فيديو بثتها الصحافة وشبكة التلفزة الإيرانية كجزء من احتفال أقيم بمناسبة تسلم فيلق الحرس الثوري تلك الزوارق. بيد أن شريط الفيديو والصور التي بثتها الولايات المتحدة لم تظهر لنا أهم ما كان يجب أن تظهره. لقد وصف الجسم العالق بجانب "كوكوكا كوريجس" بأنه "ربما يكون لغماً لاصقاً"، ولكن الصور المقدمة ليست على قدر من الوضوح يكفي للتأكد من هذا الادعاء. كذلك لم يقدم أي دليل يثبت ان الإيرانيين هم من وضع الجسم. كل ما يظهره شريط الفيديو هو أن الايرانيين ارتأوا ازالته لأسباب لم نعرفها بعد.
هذا كله يكتسب أهمية خاصة من خلال تصريح "يوكاتا كاتادا" رئيس الشركة المشغلة للناقلة "كوكوكا كوريجس" بأن افراد الطاقم أبلغوا أن سفينتهم قد هوجمت من قبل جسم طائر"، مضيفا: "لا اعتقد أن في الأمر قنبلة موقوتة أو جسماً ملتصقاً بجانب السفينة." 
قد لا نكون قادرين على التيقن بعد، مما اذا كانت هذه الحادثة من قبيل حادثة "خليج تونكين" ولكننا نستطيع أن نميز أنها ليست بالاصابة الدقيقة لقلب الهدف التي لا غبار عليها كما يروق للبعض أن يدعي. وسط تصاعد اجواء الصراع بين الولايات المتحدة وإيران علينا أن نمحص جميع المعلومات المتوفرة لنا وعدم الاكتفاء بما يقدمه طرف واحد
لنا.