سوق {زينة اليد} يتبختر في شارع الرشيد
يوسف المحمداوي
تصوير: نهاد العزاوي
يستغرب البعض من التسمية (سوق زينة اليد) لكونها غير مألوفة، هواة الخواتم يطلقون عليه سوق (المحابس)، وكذلك يسميه هواة الساعات والمسبحات، لكن أطلقنا عليه هذه التسمية، لكون جميع مقتنياته التي تباع وتشترى فيه، تعد من زينة اليد واستخداماتها، وهذا ما تراه حين تدخل ذلك السوق الممتد من شارع الرشيد إلى نهايته عند جامع السفير عثمان بن سعيد العمري، النائب الأول للإمام المهدي (ع) في منطقة الميدان، كل شيء في محاله التي تمتد على جانبي السوق، فضلاً عن البسطيات التي تملأ وسطه وجانبيه أيضاً، والباعة المتجولين، فالجميع في خدمة اليد التي هي بالتالي من تدفع وتقبض المال، وتجد في ذلك السوق محالَ وأكشاكاً لتصليح الساعة و الخاتم والمسبحة وأخرى لتثمينها ومعرفة الأصلي وتمييزه عن المقلـّد.
المسبحة من السحر إلى التعبد
المسبحة أو (السبحة) في اللغة الدارجة بين طبقات المجتمع، يعود استخدامها حسب المصادر التاريخية إلى الحضارة السومرية قبل (5000) عام تقريباً، بعدها انتقلت إلى الحضارات الأخرى كالهندية واليونانية والمصرية القديمة، وجميع تلك الحضارات تبنتها بحسب معتقداتها، فهناك من يتبناها في معتقده كتمائم للحظ أو تعاويذ سحرية، وحضارات تقوم بتقديسها، وتشير تلك المصادر إلى أن المسبحة عرفها المسلمون العرب في القرن الثالث الهجري عن طريق الحضارات القديمة كالسومرية والمصرية والديانات الوثنية، ولكنهاعند المسلمين استخدمت كوسيلة للتعبد، وجاءت تسميتها بالمسبحة، لكونها تساعد بتسبيح المسلمين للخالق عز وجل، بعد أن كان التسبيح بأصابع اليد، واستخدم المسلمون الأحجار الكريمة في صناعتها، كما يقول بائع المسبحات محمد فرحان الذي يتخذ من وسط السوق مقراً لبيع مقتنياته، وعند بسطية لا تتجاوز المترين يجلس المتخصص في ترميم المسبحات الشاب محمد اياد ليبين لنا، أن المسبحة تختلف من زبون إلى آخر، فهناك من يفضل المسبحة التي تحتوي على 99 خرزة، إضافة إلى الفاصلين (الشاهد) والشاهول (الامام) ويسمى أيضاً بالمئذنة، وبعض المسبحات تحتوي على 33 أو 45، 66 خرزة، وبالنسبة لأسعارها تختلف بحسب نوعها، وأوضح اياد أن أغلى مسبحة قام بربط "كركوشة" لها من الذهب كانت من نوع الكهرب الألماني المغلف، وبلغ سعرها (30) ألف دولار بحسب قوله.
تصدير النادر منها
المسبحة هي تطور أوجده الإنسان من فكرة القلادة التي تسبقها في تاريخ الاكتشافات البشرية، وعزاه البعض للحاجة الدينية واستخداماتها، وبشأن أنواعها يقول محمد أبو مصطفى (40 عاماً)، صاحب محل لبيع الخواتم والمسبحات داخل السوق المذكور، عن النادرة منها وهي الكهرب الألماني والمغلف منها والأسعار تختلف من نوعية إلى أخرى، والمسبحة النادرة لا تعرض في السوق، ومن المسبحات الغالية الثمن (اليسر) التي تبلغ قيمتها (1000) دولار، وأغلى أنواع المسبحات الكهرب، وتأتي بعدها الكهرمان، ويؤكد أن الأحجار الكريمة المعروضة الآن هي صناعية وليست أصلية، لأن الأصلي نادر وغير متداول في السوق، ولا بد للمشتري أن يكون ذا خبرة من أجل تمييز المسبحة كنوع وقيمة، ولا يعرف بها إلا من له دراية وهواية قديمة في امتلاكها بحسب قوله، ويبين أن هناك أحجاراً كريمة لا يمكن أن تقدر بثمن والمتحكم بأسعارها هو الحجم واللون وعمليتا الجراخة والتتريش، فضلاً عن صفاء الحجر وخلوه من الشوائب ويسمى بالريحان، وهذه الأحجار غير موجودة في السوق، وما يستخدم داخل السوق هو تجاري وصناعي فقط.
"السبح زينة وخزينة"
الحجر الأصلي يحتفظ به صاحبه ككنز ولا يمكنه بيعه إلا في حالة حصوله على حجر أغلى و أهم بحسب رغبته، وأغلب الأحجار الكريمة قد صدرت خارج العراق إلى أوروبا ودول الخليج، ويباع الغرام الواحد منها بـ (5000) دولار، أو بـ (3000) دولار بحسب جودته، كما يقول أبو مصطفى الذي أكد لنا أن أغلى أنواع المسبحات هو الكهرب الألماني المغلف، وقد تعرض على مدار العام مسبحة واحدة أو مسبحتان في السوق لا أكثر، ويمكن التعامل مع صاحبها من خلال الهاتف لكون عرضها في السوق في الوقت الحالي قد يعرض صاحبها للخطورة، وعن لون تلك المسبحة الدولارية يقول محدثنا إن لونها (حني)، أو أصفر يميل إلى الاحمرار، واعترف لنا بأن لديه ذلك النوع ولكنه يحتفظ به كزبون وليس كبائع، وقام بعرض صورة لمسبحته النفيسة التي قد تصل إلى (40) ألف دولار يعني ما يوازي (60) مليون دينار عراقي، وهو يعرض الصورة لصاحبة الجلالة ضحكت على نفسي مستذكراً شراء مسبحة صفراء من إحدى البسطيات بسعر (1750) ديناراً عراقياً بعد جدال طويل مع البائع، وحين ذهبت لتبديل خيطها البائد طلب مني مرمم المسبحات ( 2000) دينار حينها تذكرت المثل الشعبي الشائع (البطانة أغلى من الوجه) وعذراً للخالد المتنبي لأني حين قارنت بين مسبحتي البلاستيكية والكهرب الألمانية قلت "ما كل ما يتمنى المال يدركه.. يأتي الثراء بما جادت لك السبّحُ".
ساعات بمبالغ خياليَّة
الساعاتي حسن سعد الله مجيد، يتوسط السوق بمحله المزدحم بالساعات والزبائن، بين لنا أن أغلب الساعات المتداولة اليوم هي من وكالات داخل البلد وخارجه كـ (الاوميغات)، وهناك ساعات تأتي لنا كـ (بالات) ومصدرها شركات أميركية، وهناك ساعات تأتي من شركات صينية من خلال مستوردين في سوق الشورجة، أما الساعات النادرة فهي ملك خاص تجدها عند الأفراد، وهناك فترة زمنية قام فيها العراق بتصدير العديد من الساعات مثل السايكوات والاورينات والاوميغات واليوم تعود لنا كساعات مستعملة، أما الساعات التي استوردها العراق من خلال الشركة العامة للأجهزة الدقيقة فهي من أرقى الشركات العالمية واليوم تباع بأسعار خيالية، وبالنسبة للساعات القديمة كـ(سور وفلكا) يعتمد بيعها على نظافتها أولاً والزبائن التي ترغب باقتنائها، وعن الأثمان لدينا ساعات أورينت تبلغ مابين 50 إلى 250 ألف دينار عراقي، وتوجد لدينا ساعات (فلكا) التي تصل أسعارها إلى مليون دينار، وأقل ساعة رولكس تبدأ من (3) ملايين دولار ويرتفع السعر إلى أرقام خيالية بحسب قوله، وتحديداً قد تصل إلى ملايين الدولارات التي تفوق التصور، وعن الساعات وتمييز الثمين منها، يقول مجيد: إن هناك رقماً خاصاً بالساعة الأصلية كرقم شاصي السيارة باستطاعة إدارة المزاد أو المعرض الذي تعرض فيه الساعات الثمينة تمييزه، ومن خلاله سوف تعرف الشركة المصنعة للساعة واسم صانعها وصاحبها، وعن أغلى ساعة تم شراؤها من قبل صاحبنا الساعاتي قال: قبل فترة قمت بشراء ساعة يد نوع (باتيك فيليب) بسعر(57) ألفاً و500 دولار وبعتها لأحد الزبائن بـ (59) ألف دولار، وفي العراق كما يقول مجيد توجد من ( 4-5 ) ساعات فقط، من نوع (جاكوب)، وذلك لغلاء ثمنها وحين بحثنا عن مواصفاتها وجدنا ما يفوق الخيال، حيث يبلغ سعرها (18) مليون دولار. (ما اعرف شكد بالعراقي) وتحتوي على الألماس على شكل زمرد والعلبة المخصصة للساعة صنعت من الذهب عيار 18.
خاتم مقابل قطعة أرض
للهروب من أثمان الساعات والمسبحات، لنختمها بالخواتم، وإن كانت أحجارها الكريمة لا تختلف بأسعارها الخيالية كثيراً في سوق "زينة اليد" أو (حركان الگلب) وهذه حقيقة شعوري هناك.
بشأن الخواتم يقول السيد محمد ناظم من قضاء الكفل التابع لمحافظة بابل ويمتهن بيعها وشراءها وتحديداً ذات الأحجار الكريمة، إن هناك العديد من الأحجار الكريمة كاليماني والسليماني والداوودي والمرجان والنيشابوري (الرضوي)، وتتعدد المسميات للأحجار الكريمة بحيث تصل إلى (400) اسم لها، وأغلاها سعراً هو اليماني السومري القديم وكذلك العباسي نسبة للخلافة العباسية، فكلما أوغل الحجر بالقدم زاد ثمنه، مؤكداً أن بعض الخواتم التي تحتوي على حجر يماني وتكون جراخته في اليمن، أغلى من العقيق اليماني الذي تكون جراخته في أماكن أخرى وهذا يقلل من سعره، وبشأن سؤالنا: هل هناك بالفعل حجر خاص للمحبة وآخر للشجاعة وحجر لعلاج بعض الأمراض، وآخر ضد الرصاص، بين لنا السيد ناظم أن بعض السحرة والمشعوذين لديهم القابلية على تطويع الحجر لمثل هذه الأشياء لمدة أيام وليس بشكل دائمي، وهذا الأمر تعلمته من خلال عملي منذ سنين في هذه المهنة، ولكن للأسف هناك من يؤمن بهذه الأشياء فمثلاً أنا شخصياً كنت وسيطاً لشراء خاتم ضد الرصاص مقابل قطعة أرض سكنية مساحتها (200) متر، وكان عربون دلاليتي مليون دينار، إذا تمت الصفقة، ولكنها لم تتم لرفض صاحب الخاتم بيعه، ووصف لنا السيد عملية اختبار الحجر ضد الرصاص، إذ تتم تجربته على الحيوانات وليس على البشر، ويستخدم بعض الباعة النصب والاحتيال على المشتري لتمرير بضاعتهم كتفريغ الرصاص من أغلب كمية البارود الذي فيه وبالتالي لا يموت الحيوان أثناء التجربة، وأرقى أنواع الخواتم هي التي تحتوي على الأحجار الكريمة مثل الزمرد والياقوت بحسب قوله.
نهاية الرحلة
ساعتي التي لم يتجاوز سعرها العشرة آلاف دينار، ومسبحتي البلاستيكية وخاتمي الصغير وعقيقته اليمانية، الذي أهداه لي صديق عزيز، حين قارنتها مع تلك الأسعار الخيالية لتلك التي يمتلكها الأثرياء، ضحكت كثيراً، مستذكراً المثل الشعبي (عرب وين طنبورة وين)، لكني مع ذلك واسيت النفس بالخداع قائلاً: ساعتي وساعته تعطي التوقيت نفسه، والموت آت لا محالة لصاحب الحجر الذي ضد الرصاص أو عقيقتي اليمانية التي لم تمنع عني الانفلونزا يوماً ما، وبنظرة خاطفة مني لمحل لبيع الساعات وأنا أغادر السوق، لا أدري لماذا تذكرت أغنية بلبل الجنوب داخل حسن وهو يغرد نحيباً "يـا طـبـيــب صــواب دلالـي كـلـف... لا تـلـچـــمــه بحطة السماعة.. بـعــد دگــات الـگـلـب ما تنعرف.. تـنـگـطـع ما بين ساعة وساعة".