نصوص الحب وتحدي الحياة

ثقافة شعبية 2024/09/26
...

 وجدان عبدالعزيز

نعرف أن عاطفة الحب تفتح نافذة يطل من خلالها الإنسان على ذاته، ثم على الآخر باحثاً من خلاله عن معانٍ حقيقية تؤدي للسعادة، تلك التي تشعره بالنشوة التي تتراءى له في أحلامه، ويتمنى وجودها في أيامه، فهو منذ بدء الخليقة يبحث عن سر سعادته. إذن هو يبحث عن مشاعر إنسانيةٍ تحويه وتضعه في موقعه الصحيح بوجوده في هذا الكون الفسيح ويعيش العطاءات المثمرة، ويكتشف من خلالها وجود ذاته متجلية في مشاعر الحب والصدق والوفاء الإنساني، ومنذ نهاية القرن الثامن عشر وظهور الاتجاهات التنويرية وتحدياً للانقلاب الصناعي الحديث، ورد فعل للكلاسيكية والواقعية في الأدب والنزعة الشمولية السياسية برزت المسحة الرومانسية في الأدب العربي الحديث بسبب ازدياد الاحتكاك بين العالم العربي والدول الغربية الأوروبية، وخلال فترة الاستعمار وتدفُّق الهجرات العربية إلى الغرب، برز واضحاً التيار الرومانسي إبداعاً ونقداً، ومن خلال هذه المقدمة ندخل لقصيدتي الشاعر علي حمودي الخفاجي (بدلة عرس) و(أصابع) لنجد فيهما الهموم الإنسانية بأفراحها وأحزانها، الفرح حين اللقاء وتبادل عاطفة الحب، والحزن حين الجفاء ومع هذا الجفاء يسطر الشاعر همومه الذاتية التي لا تخلو من خليط الهموم الموضوعية، كلها يصبها في واحة الحب، ثم الطرف الآخر السلبي وتأثيره في معادلة عاطفة الحب يقول الشاعر الخفاجي في قصيدة (بدلة
عرس):

(اشتهيتك
ورده تملي اخدودي گمره
اتبوسها اشفاف الشمس
وشتهيتك
سفره يشربني فرحها
ابكاس من گذلة عرس
اوچان ليلي وجهه اسود
جنت اتمنّاك نجمه
اتصيرلي شمعه أوونس)

فكانت مشاعر الحب تحتضن الشاعر الخفاجي بكل صدق، حيث أماني القرب والألفة والدفء، لكن الصورة الأخرى المقابلة تخدش مشاعر الحب الصادقة المستقرة في ذاته حين يقول:

(جيتك ابلهفة شبابي
اوقشمرتني
اوعلعلتني
اوچنت ويّايه شرس).

 ورغم هذا يبقى الشاعر وفياً لمشاعره قائلاً : (وبقت أحلامي طريه/فصّلت منها صفنتي "بدله بيضه")، وهنا يبدو لنا أن الرومانسية تؤكد بأنها قوة المشاعر والعواطف والخيال الجامح وتكمن بالمصادر الحقيقية والأصيلة للتجارب الجمالية، تخالطها مسحات شتى العواطف الإنسانية مثل الخوف والرعب والهلع والألم، أي إن هناك خليط من الهم الذاتي والهم الموضوعي، جعلت منه مساهماً في رفع شأن الفنون الشعبية والتقليدية إلى درجة أسمى، ولهذا ذهبنا بقولنا إنها مشاعر صدق تبتعد عن أفكار المثالية، بل هي أقرب إلى واقع معاش يحيط بالشاعر الخفاجي ويسبب له الألم الذي ينغص له ترافة الحب، هذه العاطفة الشفافة التي تمس شغاف القلب، فيحدث صراع بين الهموم الذاتية والهموم الاجتماعية الأخرى، لكن الشاعر الخفاجي يبقى متعلقاً بالأمل والحلم راكضاً نحو الحبيب، إلا أنه يتفاجأ بالممنوعات
بقوله:
(اورحت اركض على جسرك
ثاري جسرك ماي
ويغرّك اعيوني
اوجيت آمد أيدي اعله جتفك
اوكتلي:
ممنوع اللمس.
إذن الشاعر رغم كل المصاعب يتمنى في قوله: (زاعلَني اعيون گلبك/جيت اراضي عيونك أوافرح/ وذب ثوب الحزن)، أن يبقى الحب، هو الدافع الأساسي، لأي شيء يحققه البشر، فالإنسان لا يساوي شيئاً في الحقيقة بدون عاطفة الحب، كونه شيئاً عظيماً يفعل المستحيلات في العلاقات الإنسانية.. والحقيقة من يقرأ كتاب الدكتور عبدالله دحلان، «الحب في خمسين عاماً»، يكتشف أن الحب يصنع المستحيل، لأنه يحقق الاستقرار، والنجاح في الحياة العملية والاجتماعية، والسعادة الدائمة، ويقوي عملية التحدي في صناعة المستحيل، حيث لا يجيد صناعتها سوى الحب، وصدق من قال: الحب شر لا بد منه، فهو يحمل بذور الثورة ضد ما هو قبيح، لتكون الحياة ويكون
الجمال.

ـ الهوامش: قصيدتي (بدلة عرس)، و(اصابع) للشاعر علي حمودي الخفاجي