كيف نواجه الشعور بالإحراج والإحباط؟

منصة 2024/09/30
...

 بغداد: نوارة محمد

الحياة كلها قائمة على العبثية واللامبالاة، وبين هذا وذاك تبرز رغبات جامحة للمزاح أو التنمّر اللطيف أو التداخلات الفضوليّة والأسئلة من النوع الفظ بين الأصدقاء وحتى المعارف من الدرجة الأخيرة، بهدف قضاء الوقت وكسر الملل، إلا أن هذه السلوكيات سرعان ما تتحوّل إلى أزمة كبيرة يعاني منها البعض، وقد تزعج آخرين وتفسد أمزجتهم.  تقول ساره الصراف: نواجهُ "أفظع" أنواع البشر، هؤلاء يظهرون كأصدقاء أو زملاء أو حتى أقارب ومعارف سطحية، لكنهم سرعان ما يتخلون عن لطفهم لأي سبب كان ويظهرون وجوههم الحقيقيّة، حين لا يصلون إلى مبتغاهم.. أجدهم ينقلبون إلى كائنات عنيفة، فمثلا حين أرفض الافصاح عن أسراري الشخصية، أو أن أرد على النوع "التافه" من الأسئلة، أصدم برد منهم غير متوقع. وهو ما لا يمكن تجاوزه، نحن مضطرون للعيش تحت ضغط يومي مستمر. وتعبّر مي سمير عن انزعاجها، بالقول: لا أعرف لماذا تتيح النساء لا سيما الكبيرات في السن منهن لأنفسهن فرصة استيقافي في الأماكن العامة وبدء التحقيق معي، "أين أعمل وكم اتقاضى أجراً، وما هو وضعي الاجتماعي، ولِمَ لَمْ أتزوج لغاية الآن رغم دخولي سن الثلاثين؟" لا أعرف كيف يتيح شخص لنفسه اجراء حوارات سريعة عابرة شخصية لهذا الحد، هذه التعليقات والمناكفات اليوم، وتساؤلات مثل "ماذا تنتظرين، وسيفوتك القِطار" جعلتني أدخل في نوبة اكتئاب حاد، لسبب بسيط دائما أفكر به هل علينا مجاراة هؤلاء لمجرد فقط أننا نعيش على كوكب واحد؟  > ولا يختلف الأمر تماماً مع أحمد عبد الكريم الموظف الذي يعمل في وزارة التخطيط، وهو يقول: نعاني من أزمة انعدام الذوق العام، فأنا واحد من الناس الذي غالباً ما أتعرض للتنمر بسبب وزني الزائد، واستمع لعبارات تافهة مثل "ما هذا بحق السماء، خفف وزنك يا رجل راح تنفجر" رغم أنني أعاني من مرض الحساسية الذي يجعلني مضطراً لتناول علاج الكورتزون وهو ما يدفع جسمي لاكتساب كيلوغرامات بشكل مستمر.  
ويشير إلى أن السمنة المفرطة جعلتني أتجنب الخروج من المنزل تلافياً لسماع هذه العبارات المحبطة. أما التدريسية في جامعة فلوريدا ناتالي ساكس اريكسون، فتقول، إن "الذين تعرضوا لأي نوع من أنواع التنمر أو القلق النفسي ازاء هذا النوع من الضغط النفسي بفعل الاسئلة اليومية المزعجة المتكررة تظهر لديهم أعراض الاكتئاب والقلق أكثر من 6.1 ضعف من أولئك الذين لم يتعرضوا لهذه التساؤلات، ويتضاعف احتمال معاناتهم من اضطرابات القلق أو المزاج السيئ في حياتهم أكثر من غيرهم".  وفي دراسة أخرى أجريت في جامعة نيو هامبشير في أميركا شملت عينات كبيرة العدد اتضح أن 10 بالمئة من الاشخاص تعرضوا للعدوان اللفظي. ووصفت إليزابيث برو الكاتبة في صحيفة تايمز البريطانية الصراع الالكتروني بـ "هذه الحرب النفسية لا تقل بأي شكل من الإشكال عن الهجمات المسلحة".
وفي مجتمعاتنا التي لا تزال تفتقر للأتيكيت الاجتماعي،  يبدو الأمر في منتهى الفوضى وهو يتخذ مسارات عدة، أهمها التطفّل وعدم القدرة على بناء علاقات سليمة أساسها التعارف والمشاركة اللطيفة من دون اللجوء التي الخوض بمساحات الاسئلة الشخصية، أو إحراج الآخرين، فأغلب هؤلاء يعمدون في مواقع التواصل إلى التحرّش أو القيام بهجمات لفظيّة تحط من قيمة الآخر، ومنهم من يستمتع ببث السموم والتنمّر بلا أي سبب معقول.  تقول سُرى فاضل إنّها "كثيراً ما تتجنّب المزاح أو التعبير عن آرائها بشكل فوضوي مع الصديقات الجدد، لأن هذا غير مضمون بالمرة، وقد ينقلب إلى الضد". وحذرها هذا جاء بعد الكثير من الأزمات النفسية التي عانت منها بسبب تعليقات الصديقات أو زميلات العمل اللواتي غالباً ما يبدين آراءهن بفظاظة مطلقة، مثل "وجهك شاحب، ضعفانة" وهو ما أدى إلى حدوث خلافات كبيرة وزعل بينهن. وأدى أيضا إلى زعزة ثقتها بنفسها.  ويعتقد أخصائي الطب النفسي الدكتور حميد يونس أن هذا النوع من الناس يعانون من مشكلات نفسيّة في الأصل، وهم بهذه الطريقة أعني طريقة التنمّر المبطّن أو اطلاق العبارات المتنمّرة، أو إثارة التساؤلات التي قد تحرج البعض، مثلا "غير المتزوجة، أو من لم ينجب طفلا، أو من لم يجد وظيفة" وهم بهذه الطريقة يحاولون أن يثبتوا لأنفسهم أنّ الآخرين يعانون من مشكلات في حيواتهم، ويحاولون تذكيرهم بها بمناسبة أو من دونها.